روبرت مالي وأيتام «حزب الحرب»
ويليام برنز، الدبلوماسي السابق الذي عُيِّن مديراً للمخابرات المركزية من قِبَل جو بايدن، دعا، في مقال في «ذي أتلانتيك» الصيف الماضي، إلى «اختراع سياسة خارجية جديدة»، تتضمّن درجة من القطيعة مع بعض ثوابت تلك السابقة، وتأخذ في الحسبان الظروف الدولية المستجدّة. مِثل هذه الدعوات، والخلافات، مردّها أن الإمبراطورية الأميركية في أزمة، على النطاقَين الدولي والداخلي، وأن إدارتها الحالية مضطرة للتعامل مع جملة من التحدّيات الشاقة في الآن نفسه، كالشرخ الاجتماعي - السياسي في بلادها والتنامي المتسارع لنفوذ روسيا والصين. مِثل هذا السياق هو الذي يُغذّي المخاوف من أن يلعب أشخاص كروبرت مالي، لديهم خبرة معترَف بها في الملفّ الإيراني وصلات وثيقة بالمعنيّين به في الإدارة، دوراً في «تمرير» صفقة مع طهران لا تناسب مصالح وتطلّعات أيتام مايك بومبيو وجون بولتون وترامب.
المواقف الصادرة عن بعض أقطاب إدارة بايدن، وتحديداً عن وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هاينز، لم تكن إيجابية بالنسبة لإمكانية عودة سريعة لالتزام الولايات المتحدة بموجبات الاتفاق النووي مع إيران. أسباب عديدة قد تتيح فهم مثل هذه المواقف، بينها ربّما قناعة المسؤولين بضرورة تعديل الاتفاق ورغبتهما في «تهدئة» روع أطراف الجبهة المعادية له في داخل الولايات المتحدة وفي خارجها، عبر تأكيد نيّة الإدارة التشاور مع تلك الأطراف وأخذ مصالحها في الحسبان قبل أيّ «تفاهم» مع طهران. ليس سرّاً أن في الإدارة أنصاراً لتعديل الاتفاق، وإدخال موضوع الحدّ من قدرات إيران الباليستية إليه، وكذلك «احتواء نفوذها الإقليمي»، ومؤيّدين للعودة إلى الالتزام بصيغته الأصلية انطلاقاً من انسجامها مع مصالح الولايات المتحدة بتخفيض التوتر في الإقليم وإتاحة الفرصة للإدارة للتفرّغ لأولوياتها الأخرى الداخلية والدولية. والحقيقة هي أن التحدّيات المرتبطة بهذه الأولويات مرشّحة للتفاقم، سواء كانت تلك المرتبطة بالشرخ السياسي وبجائحة «كورونا» وبالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الداخلية المتدهورة، أو بالعلاقات المتأزّمة مع روسيا والصين. المصاعب والأكلاف الناجمة عن هذه التحدّيات هي التي قد تُفضي إلى «إنصات» الرئيس لتوصيات التيّار الداعي للعودة إلى الاتفاق الأصلي مع إيران ونصائحه التي تتقاطع في جوهرها مع تلك المُقدَّمة من الحلفاء الأوروبيين، الذين تحرص الإدارة على تمتين التعاون معهم في هذا الملفّ وفي ملفّات دولية أخرى، كجزء من مسعاها لإصلاح ما أفسده ترامب.
أبرز رموز هذا التيّار، على رغم عدم ضمّه رسميّاً إلى الإدارة حتى الآن، هو روبرت مالي. هو كان قد ساهم، أيام إدارة أوباما، في بلورة مقاربتها للشأن الإيراني على ضوء أولويتها الاستراتيجية الجديدة، وهي احتواء صعود الصين، والتي سمّاها الرئيس الأسبق «الاستدارة نحو آسيا». «فكّ الاشتباك» مع إيران اندرج في هذه الاستراتيجية. وتقول مصادر مطّلعة إن لمالي تأثيراً كبيراً، بحكم خبرته في قضايا إيران والمنطقة، على رئيس مجلس الأمن القومي جايك سوليفان، وعلى نائبه جو فاينر، وكذلك على بريت ماكغورك، مسؤول الشرق الأوسط في المجلس، ويتمتّع معهم جميعاً بصداقة وطيدة. بكلام آخر، المبعوث الرئاسي الخاص لإيران، ومجلس الأمن القومي الذي يتفاعل يومياً مع الرئيس، سيدفعان باتجاه العودة إلى الاتفاق في ظلّ تطوّرات دولية ومحلية، أهمّها تسارع الصعود الصيني والروسي مقارنة بـ2015، تبدو معها وجهة نظرهم هي الأقرب إلى المقاربة الواقعية. لكن مالي في موقع المبعوث الرئاسي هو «التهديد الرئيس». فهذا هرب كينون في «جيروزاليم بوست» يجزم أن «اللغط الذي يدور حول إمكانية تسمية مالي ما كان ليحصل بالنسبة لأيّ من أعضاء فريق بايدن للأمن القومي، من بلينكن ووندي شيرمان إلى جايك سوليفان. جميعهم عملوا لأجل الاتفاق النووي مع إيران وكانوا مقتنعين به. لكن مالي، وفقاً لدبلوماسي إسرائيلي كبير سابق، مختلف، لأنه أيديولوجي تقدُّمي، بينما الآخرون ليسوا كذلك. هذا سبب دعم أقطاب الجناح التقدّمي في الحزب الديمقراطي، من أمثال ساندرز، لتعيينه. لم ينجح هذا الجناح في الوصول إلى مواقع معنيّة بالأمن القومي. تعيين مالي كمبعوث لإيران سيُمثّل انقلاباً لا أقلّ».