لم يُفوّت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فرصة استئناف مساعي تجديد التواصل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ يهدف من وراء ذلك إلى محاولة إصلاح ما أفسده الأداء الإسرائيلي الذي تسبّب في استفزاز الجانب الروسي، وتحديداً المؤسسة العسكرية. لكن الميزة الأبرز لما أعلنه نتنياهو بشأن الاتصال الهاتفي مع بوتين هو امتناعه عن الإفصاح عنه قبل أن يصدر بيان الكرملن، وهو ما يعكس أنه تعلم آداب التعامل مع الطرف الروسي الذي لقّنه درساً قاسياً في كيفية التعامل مع الدول. مع ذلك، يراهن نتنياهو على أن يكون لعامل الوقت دوره الإيجابي في تهدئة الغضب الروسي، وتحديداً بعدما تلمست تل أبيب القيود التي نتجت عن تسببها في إسقاط الطائرة الروسية في الثامن عشر من أيلول/ سبتبمر الماضي.مما يُميزِّ الاتصال الأخير أيضاً أنه يأتي بعد محاولات فاشلة سابقة لم تحقق مبتغاها، وبعد إقرار نتنياهو بأن إسرائيل أخطأت في تقدير رد الفعل الروسي على حادثة الطائرة، وهو ما تسبب في أداء أكثر استفزازية للطرف الروسي وأسهم في تعميق الأزمة مذّاك. في المقابل، أظهر بوتين تصلباً في موقفه إزاء المطالب الإسرائيلية بالعودة إلى التنسيق الأمني الذي كان سائداً قبل 18 أيلول الماضي، وقد أخفقت محاولات نتنياهو في رفع القضية إلى البحث بين القيادتين. وكتعبير عن الخضوع الإسرائيلي، اتفق خلال الاتصال، كما أعلن نتنياهو في جلسة الحكومة ـــ وهو ما تقاطع مع بيان الكرملن ــــ على عقد لقاء ثنائي يضم وفوداً من المؤسستين العسكريتين في الأيام المقبلة، في موسكو على ما يبدو، لتعزيز التنسيق بين الجيشين.
ويتضح مما أدلى به نتنياهو أمام الحكومة، أن لقاءه مع الرئيس الروسي مرهون بنتائج لقاء الوفدين، وهو ما برز في كلامه على أن اللقاء مع بوتين سيكون في مرحلة لاحقة. ووضع رئيس حكومة العدو هذا الاتفاق في سياق نتائج لقائه مع الرئيس الروسي في العاصمة الفرنسية باريس، إذ «يأتي ذلك استمراراً للمحادثة التي أجريناها في باريس، والتي كانت مهمة جداً من أجل ضمان استمرار التنسيق المنظم الذي تواصل لسنوات بين الجيشين».
يبدو أن نتنياهو تعلم الدرس جيداً لجهة تجنّب مواقف تستفزّ الجانب الروسي، ونتيجة ذلك امتنع عن تناول المحادثة الهاتفية مع بوتين قبل بيان الكرملن. وبعدها فقط، عرض نتنياهو أمام جلسة الحكومة الاتصال، مضيفاً أنه أكد للرئيس الروسي القول: «سنواصل سياستنا بعدم تمكين إيران من التمركز العسكري في سوريا، وسنواصل العمل ضد الأسلحة الدقيقة في لبنان، واستكمال إحباط تهديد الانفاق».
تجنّب نتنياهو الحديث عن اتصاله ببوتين إلى ما بعد صدور بيان الكرملن


في السياق نفسه، أكد الكرملن في بيانه أن نتنياهو هو من بادر إلى هذه المحادثة، وأنه أطلع بوتين على تفاصيل عملية «درع الشمال» بالإضافة إلى تناول التطورات في المنطقة. وأوضح البيان أن الطرفين شدّدا على أهمية الاستقرار في المنطقة، وأن الرئيس الروسي أكد «أهمية تحسين التنسيق والتعاون بين الجيشين» في سوريا، كما تباحثا حول النشاط الجاري إزاء التمركز الايراني في سوريا، بالاستناد إلى ما نقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية. في الإطار نفسه، تناولت السفارة الروسية في إسرائيل الاتصال الثنائي، ولفتت إلى أن بوتين أكد ضرورة ضمان الاستقرار على الحدود اللبنانية بما يتلاءم مع القرار 1701.
ليس بعيداً عن أجواء الاتصال، تجاهل مصدر سياسي إسرائيلي الوقائع الميدانية في الساحة السورية، قائلاً إن نشاطات الجيش الإسرائيلي لم تتوقف في سوريا ولم تتقيد منذ حادثة الطائرة. واستدل على ذلك بما يدل على عكسه، إذ قال إن إسرائيل عملت خلال أقل من ثلاثة أشهر، ثلاث مرات فقط. لكنه كرر المعزوفة الإسرائيلية التي تتكرر منذ ذلك الوقت، بالقول إن الايرانيين خفضوا جوهرياً حجم نشاطهم هناك لأسباب عديدة، من ضمنها العقوبات الأميركية الثقيلة على اقتصادهم.
من جهة أخرى، ذكرت القناة الإسرائيلية «كان» أن الولايات المتحدة تسعى إلى تكثيف وجودها في الشرق الأوسط، وتجري اتصالات لعقد لقاء يجمع وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو مع رؤساء اليونان وقبرص وإسرائيل. ويهدف ذلك إلى تقديم دعم إلى الأطراف الثلاثة التي تشكل «المحور الديمقراطي في الشرق الأوسط»، مقابل التنسيق القائم بين روسيا وتركيا. ورأت القناة أن واشنطن تدرس مواضيع التعاون في المجالات الاقتصادية والسايبر، بما فيها إجراء مناورة عسكرية في البحر المتوسط تشارك فيها الدول الأربع.
وكانت الخارجية الروسية قد رأت أخيراً أن التموضع الأميركي في قبرص «لن يبقى من دون رد»، وهو ما يعكس تنامي القلق الروسي من الخطوة الأميركية. وكانت العلاقات قد توثقت بين قبرص واليونان وإسرائيل في السنوات الأخيرة، في مختلف المجالات. وتبلور من ذلك عقد لقاء ثابت بين رؤساء الدول يجري مرتين في السنة، على أن يعقد الاجتماع المقبل خلال هذا الأسبوع.