حلب | تستعر المعارك في بلدة الراعي على الحدود التركية، وسط أنباء عن تدخل مباشر للجيش التركي في الاقتتال بين الفصائل الإسلامية. «داعش» تريد السيطرة على كل الشريط الحدودي وخنق خصومها لدفعهم إلى الاستسلام أو الهزيمة، يقول ساخراً أحد شيوخ عشائر التركمان الفارين إلى حلب نتيجة إهدار دمه من قبل «أصدقاء تركيا».
قبل ثلاثة أيام سيطرت «داعش» على بلدة سوسيان، وتابعت تمشيط القرى المحيطة بها شمالاً في اتجاه بلدة الراعي. استرجعت بلدة الغندورة شرقها، وبلدة اخترين جنوبها التي انسحبت منها قبل أقل من شهر. كذلك تمكنت من قطع خطوط الإمداد عن الراعي وعن قباسين التي فرّ إليها خصومها من مدينة الباب، ومنها يشنون هجمات معاكسة تكبدهم خسائر جسيمة. هذا التقدم لـ«الدولة الاسلامية» أجبر الجيش التركي على التدخل المباشر لوجستياً، ونشر قوات على الحدود والبدء بحفر الخنادق، ما أجبر «داعش» على التراجع.
وكالة «الأناضول» التركية الرسمية أكدت قصف الدبابات التركية داخل الأراضي السورية في بلدة الراعي، وفقاً «لقواعد الاشتباك العسكري»، للرد على مصادر النيران التي وجهها مقاتلو «داعش» إلى دورية لحرس الحدود، خلال المعارك مع مسلحين معارضين.
وساهم التدخل التركي المباشر في تعديل الكفة ضد «داعش» التي بدأت بالانسحاب، ولم تتمكن من متابعة اقتحامها للمدينة التي تبعد أقل من كيلومتر عن الحدود.
وتعتبر ألوية «السلاجقة» و«التوحيد» و«الفتح» و«محمد الفاتح» أكثر الجماعات قوة في بلدة الراعي، وانضمت إلى «الجبهة الإسلامية».
ولم يكن لـ«الدولة» أي تمثيل في البلدة قبل نشوب الحرب بين الاسلاميين. «ليس لديها أنصار فيها لتتمكن من فتح مكتب وتتسلل ببطء كما فعلت في أعزاز ومارع وتلرفعت»، يروي نادر، الموظف الحكومي، الذي اضطر إلى مغادرة البلدة. وأضاف: «الراعي بلدة مؤيدة عموماً، لم يخرج منها أي معارض مشهور، ولم يكن هنالك معتقلون فيها طوال فترة حكم الأسد وابنه، وأهل بلدتي لا يهتمون بالسياسة، بل بالزراعة والتجارة، ومن حمل السلاح منهم هم قلة».
والبلدة الحدودية التي يسكنها سوريون غالبيتهم من أصل تركماني، لم يتمكن «الثوار» من تطويعها سوى في مراحل متأخرة من تحركاتهم في الريف الحلبي. وبذلت الاستخبارات التركية مساعي كبيرة لإقناع وجهاء العشائر والنخب العلمية والمهنية وكبار الموظفين منهم بالانشقاق، وإقناع الناس بحمل السلاح ومواجهة الدولة السورية، وفق ما يؤكده أحد وجهائهم لـ«الأخبار»، مضيفاً: «تماشى البعض مع التيار العام بعد سيطرة لواء التوحيد على البلدة فحمل بعضهم السلاح معه».
وفي تشرين الثاني الماضي، أعدمت «داعش» اثنين من أهالي الراعي هما مصطفى جعفر ومحمد أوسو، المقاتلان في صفوف «محمد الفاتح». وحسب المصدر، أحسن خصوم «داعش» استغلال الحادثة، وبالأخص أن تهمتهما هي الاغتصاب والسرقة، ما زاد من غضب أهالي المدينة.
وأصبحت البلدة مقراً لأكبر سجون «لواء التوحيد»، المقرب من الإخوان المسلمين، على مستوى المحافظة. وضم مئات المخطوفين والجنود وأبناء المنطقة الموالين للسلطة بعد معارك عنيفة مع الأمن والشرطة في أيار 2012، حيث اجتاح نحو 1500 مسلح قدموا من مارع وتلرفعت وأعزاز البلدة وارتكبوا مجزرة بحق عناصر الشرطة.
«أمن الثورة»، أيضاً، الذي تطور وتضخمت مهماته في التحقيق مع آلاف المشتبه في ولائهم للدولة السورية، صار ينظم زيارات لوسائل الإعلام ولشعراء وفنانين ومثقفين سوريين متباهياً بسجنه الكبير الذي تقاسم المسؤولية عنه مع «المجلس العسكري الثوري المشترك».
منطقة السجن الذي يديره «أبو جمال الثاني» تشهد أعنف المعارك، لا لأهمية «اغتنام» مئات السجناء لاستخدامهم في التمويل عبر الفدية أو مبادلة أسرى «داعش» بهم، بل لأن مقر «لواء التوحيد» الأهم في محافظة حلب يقع بالقرب منه، إضافة إلى مقر هيئة «أمن الثورة» التي يقودها الشقيق الأكبر لمدير السجن «أبو جمال الأول».
اليوم «داعش» تشن هجومها عبر ثلاثة محاور جنوباً وشرقاً وغرباً، لتبقى الحدود التركية شمالاً مفتوحة أمام مسلحي «الجبهة الإسلامية» للإمداد... وللفرار أيضاً.