​​الدرس الأول من ألمانيا، وما على التلامذة إلا التطبيق. التلامذة اليوم ليسوا على مقاعد الدراسة بل داخل ملعبٍ أخضر، وعددهم ليس كبيراً بل تمّ تحديده بـ322. هو طبعاً عدد الأشخاص الذين يحقّ لهم الوجود في محيط وداخل أيّ ملعب تُقام فيه مباراة في الدوري الألماني، وذلك وفق «الخطّة الديناميكية» التي وضعها الاتّحاد المحلّي لاستئناف «البوندسليغا».​وهذا العدد طبعاً يشمل اللاعبين، المدربين، الحكّام، فريق النقل التلفزيوني، رجال الأمن، العاملين في الملعب، وحتى الفتية الذين يجمعون الكرات.​
لكنّ الأكيد أنّ المشهد الأساسي الاستثنائي سيكون مشهد المباراة ووضع اللاعبين فيه.​
الخطوات العملية لإقامة أيّ مباراة تبدأ قبل 7 ساعات على صافرة البداية مع وصول 8 من العاملين في تأهيل عشب الملعب. بعدها بساعتين يصل الأشخاص الـ 90 الذين يعملون في مجال النقل التلفزيوني المباشر، وأولئك الذين يرتبط عملهم بتقنية حكم الفيديو المساعد. ويترافق وصول كلّ هؤلاء مع انشغال 32 من رجال الأمن بعدم دخول أي شخصّ إلى الملعب إو محيطه من دون إذنٍ شرعي.​
وفي فترة الظهيرة التي تسبق المباراة، يصل رجال الشرطة والمسعفون ورجال الإطفاء وبعض أفراد الجهاز الفني للفريق.​
وقبل 3 ساعات ونصف الساعة على بداية المباراة، يكون قد حضر 226 شخصاً إلى الملعب، في وقتٍ تبدأ فيه تحضيرات الفريقين لمغادرة الفندق، حيث يتوقّع وصولهما قبل 90 دقيقة على انطلاق اللقاء. وهنا يبدأ كلّ شيء عملياً، إذ يتمّ نقل اللاعبين وأعضاء الأجهزة الخاصة بكلّ فريق في أكثر من حافلة أو باص لتفادي الاختلاط الكثيف، وذلك بعد تعقيم وسائل النقل المطلوبة. أمّا بالنسبة إلى لاعبي فريق أصحاب الأرض، فهم بإمكانهم القدوم إلى الملعب بسياراتهم الخاصّة، لكن لا يحقّ لأحدٍ منهم أن يصطحب زميلاً له في السيارة. وعند الوصول إلى الملعب يُفترض أن يُبقي كلٌّ من الواصلين على مسافة متر ونصف على الأقل بعيداً من الآخر، وذلك في موازاة ارتدائهم أقنعة الحماية لتغطية الأنف والفم.​
وهناك في الملعب، سيُطلب إلى اللاعبين استعمال المرفق إذا ما أرادوا الضغط على أحد أزرار المصعد على سبيل المثال. كما سيكون هناك تشديد على تعقيم اليدين عند الدخول إلى أيّ غرفة حيث يُمنع تناول أي طعام. ​
والمشهد في غرفة الملابس لن يكون عادياً أبداً، إذ سيبدّل اللاعبون الأساسيون ملابسهم أوّلاً ومن ثم يأتي دور اللاعبين الاحتياطيين. أما في حال كانت غرفة الملابس غير كبيرة بالشكل الكافي كونها تختلف بين ملعبٍ وآخر، يُفترض بمسؤولي الفريق توزيع اللاعبين فيها بشكلٍ تكون فيه المسافة آمنة بينهم، علماً أن الاتّحاد الألماني طلب فتح أكبر عددٍ من غرف الملابس في كلّ ملعب، وذلك لكي يُصار إلى توزيع اللاعبين عليها.​
وفي الإطار عينه، سيبقى اللاعبون بين 30 و40 دقيقة في غرفة الملابس، حيث يُفترض أن يُبقوا على الأقنعة أيضاً، بينما سيتشارك حكّام المباراة غرفة واحدة، لكن مع اتّباعهم إجراءات السلامة كافة، وقد طُلب إليهم السفر إلى الملعب في يوم المباراة، لتفادي مكوثهم في الفندق والاختلاط بالناس، وبالتالي نقل أي عدوى إلى اللاعبين أو المدربين وغيرهم. ​
تشكّل «التجربة الألمانية» درساً للجميع، لكن تبقى العبرة بالتنفيذ​


كل شيء سيكون معقّماً بعناية، حتى كرات اللعب، والتي سيكون مولجاً بإعادتها إلى الملعب 4 فتيان فقط، شرط ألّا تقلّ أعمارهم عن الـ 16 سنة، وذلك من باب الوعي الذي يمكن أن يكون عليه الفتى في هذا العمر، إذ سيُطلب منهم تعقيم اليدين بشكلٍ متواصل خلال الدقائق الـ 90.​
وعند مغادرة اللاعبين لغرف الملابس باتّجاه الملعب، يُفترض أن يتركوا مسافة آمنة بينهم أيضاً عند دخولهم النفق أو سيرهم في المسار المحدّد، وفي هذا الوقت تتمّ عملية تعقيم الغرف من جديد.​
وبالتأكيد لن يكون هناك أي مراسم قبل المباراة، ولن توجد أيّ تعويذة تحمل شعار هذا الفريق أو ذاك، ولن يصافح أي لاعب حكماً أو خصماً، ولن تُلتقط الصور لأيّ فريق تفادياً لتجمّع اللاعبين.​
وقبل ركلة البداية، يجلس اللاعبون الاحتياطيون في أماكنهم، لكن عليهم ترك مقعد فارغ أو أكثر بين بعضهم البعض، وهو أمر يتم إقراره بحسب حجم المقاعد في كلّ ملعب، علماً أنه في حال كان مقعد الاحتياط صغيراً نوعاً ما، يمكن للجهاز التدريبي الجلوس في المدرّجات القريبة من الملعب لتفادي أي تجمعات.​
كما سيُسمح فقط للمدربين واللاعبين والحكم الرابع والجهاز الطبي وجامعي الكرات ورجال الأمن والتلفزيون بالوجود في مكانٍ قريب من مقعد الاحتياط أو خطّ الملعب.​
وتتضمّن الخطة أيضاً تفاصيل صغيرة ودقيقة، منها مثلاً عدم تناول أيّ لاعب للمياه إلا من قارورة خاصّة به، على أن يتمّ التخلّص منها لاحقاً.​
المشهد الغريب سيطلّ أيضاً من خلال ارتداء المدرّبين للأقنعة الواقية خلال المباراة، وهم سيُسمح لهم بإنزالها بعض الشيء عن الأنف والفم لكي يستطيعوا إيصال التعليمات للاعبيهم الأساسيين، بينما سيكون وضع الاحتياطيين مشابهاً من خلال ارتدائهم الأقنعة، وهو الأمر عينه الذي سيفعله الحكم الرابع.​
وبالحديث عن الحكّام، سيجلس حكام الـ«فار» إلى جانب بعضم البعض كالعادة، لكنهم سيضعون الكمامات، وسيفصل بين كل واحدٍ منهم لوحاً زجاجياً.​
نعود إلى الملعب مع حالة تسجيل هدفٍ، حيث سيكون ممنوع على اللاعبين الاحتفال سويّاً أو تبادل التحية بالمصافحة، ما يعني أن عليهم استعمال الأقدام أو المرفق ربما لتهنئة بعضهم، وهو أمر سيترك مشاهد احتفالية جديدة بالنظر إلى إبداعات اللاعبين عادةً في اختراع احتفالات مميزة.​
كل هذا سيترافق مع تعليمات مستمرّة من الحكّام إلى اللاعبين للتقيّد بالإجراءات الضرورية، وهم قد يتعرّضون لتلقي إنذار اذا ما رفضوا الامتثال للابتعاد عنه عند اعتراضهم على أحد القرارات حيث سيحذّرهم شفهياً بدايةً بضرورة إبقاء المسافة الآمنة.​
أما بعد نهاية المباراة، سيتم الطلب إلى اللاعبين الاستحمام في المنزل أو الفندق، إضافةً إلى غسل تجهيزاتهم وأحذيتهم، علماً أن 4 لاعبين كحدّ أقصى يمكن أن يبقوا في الملعب لإجراء فحوصات الكشف عن المنشّطات، وذلك بعد مغادرة الجميع. كما أنه لن يكون هناك «منطقة مختلطة» لإجراء المقابلات، بينما ستكون المؤتمرات الصحافية بعد اللقاء عبر تقنية الاتّصال بالفيديو.​
كل هذا ينتظر أن ينفّذه اللاعبون من خلال سلوكٍ احترافي مطلوب، وذلك للتأكيد بأنهم على قدر المسؤولية، وبأنهم قادرون على إخراج العالم من رعب «كورونا» ومنحه الأمل بإمكانية مواصلة الحياة بطريقةٍ أفضل مما هي عليه حالياً، وذلك عبر الالتزام بالإجراءات الصحّية التي تبدو غريبة عن عالم الكرة، لكنّها لا تبدو صعبة في ظلّ الظروف القاهرة.​
أمّا ما هو مؤكّد فإنّ المانيا أخذت خياراً صعباً وخطراً في آنٍ معاً، إذ لم يواجه أحد هذه التجربة سابقاً، ولا يعرف أحد نتائجها، لذا فإن الضغوط على القيّمين لن تكون بسيطة، لكن عندما يرتبط الأمر بكرة القدم وقوانينها فإنّ الألمان يمكنهم ترك دروس كثيرة، لذا فهم يأملون إصابة النجاح لتكون «التجربة الألمانية» مثالاً يُحتذى للبطولات الأخرى الساعية للعودة إلى الحياة.