صدر عن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تعميم ذكّر بأنه «لا يُمكن الحكومة ممارسة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال». وبعد إشارة التعميم إلى أن «اعتماد نظرية تصريف الأعمال بالمعنى الضيق من شأنه أن يحدّ من المفهوم المكرس اجتهاداً للأعمال الإدارية العادية، ويُقلص الأعمال والقرارات التي من الممكن اعتبارها تدخلاً في تصريف الأعمال»، خلص إلى أن ما يدخل في نطاق تصريف الأعمال، هو «تلك القرارات التي من شأن عدم اتخاذها أن ينتج فراغاً كاملاً أو تعطيلاً لكل أعمال السلطة التنفيذية ووقفاً لإدارة مصالح الدولة»، وكذلك «الأعمال التي تجد مبرراتها في حالة الضرورة والظروف الاستثنائية وتأمين النظام العام وأمن الدولة الداخلي والخارجي، وتلك التي يحتمل سقوطها ان لم تتخذ في مهلة محددة بالقوانين». لذا طلب من جميع الوزراء «حصر ممارسة صلاحياتهم في نطاق الأعمال الإدارية العادية بالمعنى الضيق».
نتيجة لهذا التعميم، استجدّ الخلاف بين تكتل التغيير والإصلاح والرئيس ميقاتي، حيث يرى الأول في «بنوده هرطقة دستورية»، خصوصاً أن «ما نص عليه القانون في ما يتعلق بممارسة الحكومة وصلاحياتها، لا ينسحب على صلاحيات الوزراء، والتي تعتبر الوزير رأس إدارته وتنيط به صلاحية تطبيق القوانين والأنظمة التي ترعى شؤون وزارته إلا بمقدار ما يتعلق منها بمشاركته في تقرير سياسة الحكومة. وهذا يعني أن التعميم يشكل خرقاً للدستور». وأكثر ما أثار حفيظة التكتل الذي رأى في «أوامر ميقاتي بدعة»، هو «مطالبة الوزراء، في حال اعتبار أن ثمة قراراً إدارياً يدخل في نطاق الأعمال التصريفية التي تقتضي الضرورة اتخاذه في خلال فترة تصريف الأعمال، إيداع مشروع القرار رئاسة مجلس الوزراء للحصول على الموافقة الاستثنائية لفخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس الوزراء»، متسائلاً عن النص القانوني الذي منح الرئيسين ميشال سليمان وميقاتي صلاحية إعطاء الموافقة الاستثنائية، والنص الذي يُجيز اختصار السلطة الإجرائية بشخصيهما، «حيث من المفترض أن يتمّ بت الأعمال الإدارية، من خلال اجتماع الحكومة المستقيلة لاتخاذ القرار بدلا من حصر هذه الصلاحية برئيس لا يتمتع سوى بصلاحيات شكلية في ممارسة السلطة الإجرائية، ورئيس لا يمتاز عن سائر الوزراء إلا بكونه يتمتع وحده بصلاحية التنسيق بين الوزراء وبصلاحية الاستقالة».
وبحسب التيار «لا تقتصر بدع ميقاتي على الحد من صلاحيات الوزراء ولا على إناطة صلاحيات البت بالأعمال الإدارية التصريفية برئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء». فقد «جعل التعميم من المدير العام في كل وزارة رقيباً على أعمال الوزير لمصلحة رئاسة مجلس الوزراء، ممّا يجعل من المرؤوس جاسوساً على رئيسه».
كل ما سبق، شكّل ملفاً أعده رئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان، حمله الأسبوع الماضي إلى ميقاتي، بعد موقف تكتّل التغيير والإصلاح الذي أدلى به العماد ميشال عون بشأن الموضوع. راجع كنعان ميقاتي مستنداً إلى نصوص قانونية مطالباً بـ«إعادة النظر في التعميم». الانطباع الذي خرج به النائب العوني يفيد بأن «رئيس حكومة تصريف الأعمال مقتنع بجزء كبير مما عرضناه»، كما أكد كنعان في حديث لـ «الأخبار». وبالتالي «وعد بمتابعة الأمر خلال هذا الأسبوع لتصحيح المسار، واعادته إلى المنطق السليم، بحيث تُلغى الموافقات الاستثنائية، ويتم الاستعاضة عن التعميم بالإجراء القانوني، الذي يحدد وحده أولوية بعض المواضيع التي تحتم على الحكومة بحثها».
ولفت كنعان إلى أن الإجراء الذي يقوم به الرئيسان يرتّب أعباءً لا على الخزينة وحدها، بل على الإدارات والأمن والقضاء، إذ «لا يجوز اختصار صلاحيات نص عليها الدستور بسلطة استنسابية غير دستورية. موجودة في رئاسة الحكومة، وهو أمر سيحمل تبعاتهُ إذا استمر سليمان وميقاتي».
في المقابل، استغربت مصادر ميقاتي «اعتبار البعض الموافقات الاستثنائية مخالفة دستورية، في حين تمّ اعتمادها لتسيير أمور الدولة»، لأنها «تشبه بمفهومها المراسيم الجوالة التي تم اعتمادها في عهد الرئيس أمين الجميل». كما انتقدت المصادر «من يتهم ميقاتي بمخالفة الدستور، في حين كانت هذه الجهات نفسها تطلب موافقات استثنائية على بعض الأمور الخاصة بإداراتها» ، متسائلة عن «تطنيشها المخالفات في حال كانت في مصلحتها».
ومن الملفات التي بحثها كنعان مع ميقاتي في اجتماعهما «الملف المتعلق بتوزيع عائدات الخلوي على البلديات المطالَبة اليوم بمهام أمنية من دون أن تكون لديها إمكانات، بعدما صادرت وزارة المال والدولة حقوقها». مشيراً إلى «ضرورة توزيعها» ، علما أن «عائدات الصندوق البلدي المستقل، الذي طالبنا باستعادة حقوقه المسلوبة منذ فترة طويلة، تم توزيعها مع حسم 80 في المئة»، متسائلاً: «كيف يمكن حسم هذه النسبة من العائدات التي تتم جبايتها عن البلديات وتعتبر أمانة لا يحق لأحد التصرف بها». كاشفاً عن «ملف تحضره وزارة المال يتحدث عن ديون متوجبة على البلديات تصل الى الفين وعشرين ملياراً»، الخطير فيه أن «الأرقام المذكورة لم تخضع لتدقيق مالي من البلديات، وهي في معظمها تعود الى شركات لمّ النفايات، منها شركة سوكلين التي حصدت 80 في المئة من عائدات البلديات في الصندوق البلدي، وتريد أن تحصد اليوم عائداتها من الخلوي». وبين الأمور التي «نبشها» كنعان، سلفات الخزينة التي أعطيت لعدد من الوزارات بغية «سيسرة» أمورها، مع تحديد مهل لدفع السلفات، لما فيه مخالفة دستورية حيث «لا يوجد ما يسمى مهل دفع في قانون المحاسبة العمومية للتصرف بالتسليفات، بل مهلة سنة لتسديدها في حال استخدمت».