مدارس خاصة على خط النار: التعليم «غير المتزامن» أفضل الممكن
أيقنت إدارات المدارس الخاصة الواقعة على خط النار في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت أن مخاطبة أهالي تلامذتها بشأن أشكال التعليم في مثل هذه الظروف الصعبة هي ضرب من الجنون، إذ أظهرت دراسات «جس النبض» الواقع المر الذي يعيشه الأساتذة والتلامذة في مراكز الإيواء حيث تغيب أي مقوّمات للراحة النفسية والتعليم، فضلاً عن التغيير المستمر لمكان النزوح، ما يعقّد التواصل.
مع ذلك، وجدت هذه المدارس نفسها محاصرة بقرار وزير التربية عباس الحلبي «إنقاذ العام الدراسي» واستعجاله العودة بأي ثمن، ما دعاها إلى بحث الخيارات الممكنة، فكان قرار معظمها التدرج في كسر الحاجز النفسي، بحيث تكون الانطلاقة مع التعليم «أوفلاين»، او غير «المتزامن» وليس «أونلاين»، أي إشغال التلامذة ببعض الأنشطة والفيديوهات التعليمية التي يمكن أن يطّلعوا عليها في أي وقت، وعندما تسمح لهم الظروف، من دون أن يكون هناك تواصل مباشر مع معلميهم، على أن يتحوّل التعليم إلى «أونلاين» في مرحلة لاحقة تبعاً لما تؤول إليه تطورات الحرب. ومن هذه الإدارات من يدرج مبالغة وزير التربية وفريقه في «الحرص» على التعليم وسط هذه الأحوال المعقّدة في خانة «التدبير غير البريء» والضغط على بيئة المقاومة.
فجمعية المبرات الخيرية اختارت البدء بالتعليم «أوفلاين» منذ 15 الجاري، لكنّ «الخيارات صعبة جداً»، كما يقول منسق مديرية التربية والتعليم، فايز جلول، «فأي سيناريوهات أو تخطيط في هذه المرحلة لا يجد طريقه إلى التطبيق، والخيار الوحيد هو تقديم الحد الأدنى من التعليم من خلال بطاقات مراجعات خفيفة وتمارين بسيطة وفيديوهات»، مشيراً إلى أن «الأصداء كانت إيجابية ولا سيما أننا طمأنّا الأهل بأنهم غير مطالبين بأي التزامات في التعليم، وأننا لن نحاسب أي تلميذ يتخلّف عن متابعة الأنشطة التي نرسلها إليه، كما وعدنا غير القادرين منهم نهائياً على الوصول إلى التعليم بالتعويض على أبنائهم عندما تهدأ الأوضاع».
وفي بداية تشرين الثاني المقبل، ستحاول المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم - مدارس المهدي هي الأخرى تقديم محتوى تعليمي وحزمة أنشطة وألعاب تربوية غير متزامن أيضاً. وبحسب نائب المدير العام للمؤسسة عضو اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، فضل الموسوي، فإن التعليم سيكون تصاعدياً من الـ«أوفلاين» إلى الـ«أونلاين»، إذ من الصعوبة بمكان اعتماد التعليم المتزامن أو المباشر عن بعد في الوقت الحالي، نظراً إلى الضغوط والهموم اليومية التي يواجهها الأهل، من تهجير وخسارة أحباء، وعدم استقرار في أماكن النزوح. ويرى الموسوي أن مساهمة وزارة التربية بالتنسيق مع وزارة الاتصالات في تأمين خدمة الإنترنت تخفف الكثير من الأعباء على الأهل.
أما مؤسسات أمل التربوية فهي على أبواب اتخاذ قرار يوازن بين عدم خسارة عام دراسي ومراعاة ظروف تلامذتها، بعد استبيان أجرته حول واقع المعلمين والمتعلمين، إذ تبيّن أن معظم هؤلاء موجودون في بيوت مستقلة ومشتركة، فيما لا تتجاوز نسبة القاطنين في مراكز الإيواء الـ 8%. ويقول المدير التربوي محمود عيسى إن القرار سيؤخذ الأسبوع المقبل لبذل أقصى جهد من أجل ردم الهوة التعليمية التي تنشأ مع كل استحقاق، لافتاً إلى «أننا عقدنا لقاءات مع مشرفي المواد للوصول إلى الحلول المناسبة».
لا يختلف وضع المدارس الإفرادية في المناطق الساخنة عن المدارس التابعة لمؤسسات تعليمية، وربما يكون الوضع أسوأ لديها، لكون مقوّمات التواصل والتفاعل لدى المؤسسات أكبر. أما الأهل فينشدون الأمان قبل التعليم، ومنهم من قرّر سلفاً أن أبناءه غير جاهزين لأي نوع من التعليم ولا سيما من يقطن مع 15 شخصاً في بيت واحد، وأبلغوا المدارس بأنهم لن يتابعوا التعليم عن بعد سواء «أوفلاين» أو «أونلاين» لعدم جدواه، في حين أن البعض الآخر يرى أن البقاء في جو الدراسة أفضل من العدم. ومن هؤلاء من قال إن أولاده لم يتمكنوا من الاطّلاع على الفيديوهات التي وضعتها المدرسة على المنصة التعليمية إلا بعد خمسة أيام لعدم وجود إنترنت، فيما شراء بطاقات التشريج المدفوعة سلفاً مكلف جداً خصوصاً إذا كان لدى الأسرة ثلاثة أو أربعة أبناء.