تسوية ما بعد وقف النار: آخر الحروب مع إسرائيل
ما يحدث اليوم هو استعادة القياس نفسه عاميْ 1982 و2005 بعد اغتياليْن وحشيين للرئيسين بشير الجميّل ورفيق الحريري. الاغتيال الوحشي اخيراً للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وضعه في مصافهما، ووضع الداخل اللبناني امام استحقاقات مجهولة، كما من شأنه وضع الافرقاء جميعاً - او بعضهم - امام خيارات متهورة. ذلك ما تأتى من مغامرتيْ قوى 8 و14 آذار ولا يزال الى اليوم يجرجر اذياله.
بسبب هذا التحوّل غير المحسوب، وكذلك النتائج الجسيمة الخطيرة والمكلفة غير المحسوبة بدورها لحرب إسناد غزة ومجازفتها التي قررها حزب الله، أُعيد فجأة الى الواجهة الاستحقاق الرئاسي بعدما كان منسياً على انه احد خيارات الحلول المقبلة. انطفاء الحديث عن انتخاب الرئيس بعد ايام قليلة على استعادة تداوله، اعاد الاعتبار الى القاعدة نفسها: لا رئيس جديداً قبل وقف النار. هي القاعدة التي توافق عليها الثنائي الشيعي منذ ما قبل 23 ايلول الفائت، موعد انفجار حرب اسرائيل على لبنان. الواضح انها لا تزال سارية الى اشعار آخر، أُلحِقَ بها عامل مشجع هو الحرب هذه بأن نقلت النار من الحدود الجنوبية الى كل الداخل اللبناني وحوّلت الكثير منه ركاماً وانقاضاً.
بيد ان هذا الربط أوجد بضعة معطيات اضافية:
1 ـ ينتظر وقف النار مآل الحرب البرّية التي تعتزم اسرائيل خوضها رغم مضي اسبوع على بضع محاولات لمباشرتها، اخفقت فيها حتى الآن على الاقل. بينما يعزو جنرالاتها السبب الى استكمال خططهم، سيكون من المتعذّر على الجيش الاسرائيلي التوغل داخل الاراضي اللبنانية واحتلالها قبل ان يحيلها ارضاً محروقة لازالة كل مقاومة في طريقه. تالياً انتهاء حرب اسرائيل على لبنان وحزب الله رهن ما سينتهي اليه التقدّم البرّي ومدى نجاح اسرائيل فيها او اخفاقها ما دام جزءاً لا يتجزأ من الحملة العسكرية الضخمة التي بدأت في 23 ايلول.
2 ـ قبل ان تضع الحرب أوزارها لا تسوية في لبنان. خاتمة الحرب هذه ونتائجها على اسرائيل وحزب الله يقتضي ان لا تخرج برابحيْن او خاسريْن، بل برابح واحد وخاسر واحد. حرب 2006 فسَّرها طرفاها على ان كلاهما خرج منها رابحاً كما لو ان لا خاسر فيها. عدّت اسرائيل القرار 1701 واخراج حزب الله وسلاحه الى شمال نهر الليطاني انتصارها عليه، وعدّ هو منعها من تصفيته والقضاء عليه آنذاك انتصاره عليها. ذلك ما لا يُفترض او يُتوقّع برابحيْن في الحرب الحالية. انتهاؤها اخيراً لن يكتفي باعادة تطبيق القرار 1701 ومضاعفة عديد الجيش اللبناني في الجنوب وعتاده، بل من شأنها تحديد مواصفات الرئيس المقبل للجمهورية المفترض ان يكون الاقدر على مواجهة التحديات الجديدة، وسيكون أهمها ان عليه ان يقرّ اخيراً بأنها الحرب الاخيرة للبنان مع اسرائيل، واليوم الاخير للمقاومة بما يمثّله حزب الله كتنظيم مسلح.
3 ـ فرضت الوقائع العسكرية الجديدة مقاربة مختلفة للاستحقاق الرئاسي وسّعت أكثر من ذي قبل لائحة مواصفات المرشحين، من غير أن تمنحهم حظوظاً متساوية كالسابق: اولهم مرشح التحدّي الذي مثّله رئيس تيار المردة سليمان فرنجيه لتمسّك الثنائي الشيعي وحلفائه به ورفض الكتل النيابية الاخرى اياه، وقد بات يُنظر اليه الآن على انه اضعف المرشحين كاستنتاج حتمي لتقويض فائض القوة لدى حزب الله المُعوَّل عليه في انتخابه والحؤول دون انتخاب سواه. ثانيهم المرشح التوافقي تُدرَج في نطاق عشرات الاسماء، فيما تكمن معضلته في ان لكل كتلة مرشحها التوافقي على صورتها المناقض للآخر وفهمها ومفهمومها للمرشح التوافقي ما يتطلب توحيد المفهوم قبل التوافق على المرشح. ثالثهم المرشح العسكري يتقاطع من حول مواصفاته ثلاثة ضباط كبار اثنان في الخدمة هما قائد الجيش العماد جوزف عون والمدير العام للامن العام بالانابة اللواء الياس البيسري وضابط متقاعد هو المدير السابق للمخابرات والسفير السابق في الفاتيكان العميد جورج خوري. لكل من الافرقاء الرئيسيين المحليين الناخبين رأي في كل من الضباط الثلاثة هؤلاء، ويتقاطعون بدورهم على موقف مشترك هو ان الظرف ـ لا المواصفات ـ قد يأتي بأحدهم في ضوء ما يمكن ان تنتهي اليه الحرب الاسرائيلية على لبنان والدور المنوط بكل منهم. رغم الاعتقاد بأن احدهم قد يكون الاوفر حظاً لتغليب فئة المواصفات هذه في ضوء التحولات الاخيرة، لكن المؤكد ان اياً منهم ليس مرشحاً توافقياً، ولن يُنتخب ـ باجماع او ما يشبه الاجماع ـ بالصفة هذه على انه مصدر تسوية بين افرقاء داخليين، مقدار ما يعني اختياره على صورة تسوية يصنعها الخارج وينصاع اليها الداخل.