أدّت الأزمة الماليّة إلى تدهور رواتب موظّفي القطاع العام، وعلى رأسهم عناصر المؤسّسات العسكريّة التي شهدت عمليات فرار من الخدمة والهجرة إلى الخارج. الحال يعبّر عنه عدم الحماسة للانضمام إلى المؤسّسة العسكريّة، كما بدا واضحاً في انخفاض عدد من تقدّموا للمشاركة في مباراة الدّخول إلى الكليّة الحربيّة نهاية السنة الماضية، بعدما كان كثيرون في «الزمن الجميل» يحجّون إلى منازل المرجعيّات السياسيّة لنيل واسطة تمكّنهم من تعليق «النّجوم»، والحصول على «مهنة الأحلام» التي تؤمّن «المستقبل والآخرة»، إضافة إلى السلطة.

كلّ ذلك قضت عليه الأزمة، فصارت المهنة «نقمةً» على العاملين فيها، بعدما خسروا كلّ التقديمات الاجتماعيّة التي كانوا يحظون بها، ولم يعد راتب الضابط يتعدّى الـ300 دولار شهرياً!
في خضمّ الأزمة غضّت قيادة المؤسسة النظر عن عمل العسكريّين في وظائف ومهن أخرى لتلافي فرارهم من الخدمة العسكريّة، ولجأ بعض الضبّاط أيضاً إلى الأمر نفسه، بعد الاستحصال على «غطاء» لـ«تظبيط أنفسهم» في وظائف أُخرى، علماً أنّ هذا «الغطاء» لا يُمنح إلا «لمن استطاع إليه سبيلاً» عبر «تشبيك» العلاقات داخل مراكز القرار، إضافةً إلى تقديم «خدمة» للمؤسسة عبر تشغيل عسكريين.
«غضّ الطرف» أفضى إلى عمل الضبّاط في كثير من المجالات، وأبرز جانباً جديداً من مظاهر تحلّل الدّولة ومؤسّساتها، بعدما أضحت النتيجة أعمالاً في بيع المياه والأراكيل والأفران... وحتّى رعي الماعز! إذ إن أحد كبار الضباط اشترى نحو 700 رأس ماعز وأوكل للعسكريين أن «يسرحوا» بها في المنطقة التي يخدم فيها.
في المقابل، «سلّك» ضبّاط آخرون أمورهم داخل النادي العسكري (الحمّام العسكري). فاستحدث رئيس الأركان العميد حسّان عودة «كيوسك» حديدياً من طبقتين في «النادي» يديره نجله، ويشرف عودة وزوجته على أعماله، وتُقدَّم فيه المأكولات والمشروبات، إضافة إلى النراجيل. واللافت أن نجل عودة فاز بالمناقصة بعد تعيين الأخير رئيساً للأركان.
كذلك فاز ضابط رفيع آخر بالمناقصات الخاصة بـ«بيوت الجندي» (دكاكين مخصّصة للعسكريين في مقراتهم العسكرية، تُباع البضائع فيها بأسعارٍ زهيدة)، وافتتح محلاً لبيْع المناقيش في منطقة قريبة من مقر خدمته، وتعاقد مع عدد من مرافقيه ومرافقي مساعده للعمل فيه، وأفضت وساطاته إلى بيع معجناته في المقرات العسكرية في المنطقة!