انتهت انتخابات «المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى» في بيروت، أمس، إلى «نتيجة رماديّة» من دون غالب أو مغلوب واضحيْن أو تمكّن أيّ طرف من إيصال جميع مرشّحيه، وإن كانت الخسارة الكبرى هي من حصّة مفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان الذي بدا أضعف من إيصال مرشحيه إلى «حافة النجاح»، بعدما تراجع عن تحالفه مع تيار المستقبل متنصّلاً من دعم اللائحة التي اتّفق الطرفان على دعمها، لمصلحة لائحة ضمّت من يُشكّلون استفزازاً لـ«الحريريين» كالقاضي الشرعي الشيخ وسيم فلاح وعضو المجلس السابق محمّد دندن والمحامي حسن كشلي (المدعوم من النائب فؤاد مخزومي).
في المقابل، لم يتأخّر الحريريون في نفض أيديهم من اللائحة ببيانٍ رسمي بعدما «فرطت»، والتحضير لتحالفاتٍ من تحت الطاولة مع عدد من الجمعيّات الإسلاميّة والمشايخ، في مقدّمهم أمين دار الفتوى الشيخ أمين الكردي، ما أفضى إلى تبنّي أسماء مستفزّة لدريان: القاضي الشرعي الشيخ عبد العزيز الشافعي المناهض علناً للمفتي ولرئيس المحاكم الشرعيّة السنيّة العليا القاضي محمّد عسّاف، ورئيس «جمعيّة متخرّجي جمعيّة المقاصد الخيريّة الإسلاميّة في بيروت» مازن شربجي الذي خاض حرباً على رئيس «المقاصد» فيصل سنو (حليف دريان والذي عمل على تسويق فكرة التمديد له)، والمستشار الديني لرئاسة الحكومة الشيخ فؤاد زرّاد المعروف بمعارضته لأداء المفتي في كثير من الملفات خلال ولاية «المجلس الشرعي» السّابق.
لم يفز في الانتخابات بأصواتٍ مرجّحة تفوق الـ 60 إلا من حظوا بدعم أكثر من طرف
أدّى ذلك إلى دفع كل مجموعة لتشكيل لائحتها الخاصة: لائحة لمخزومي تضمّ كشلي والسفير بسام النعماني، ولائحتان سوّقهما المشايخ والجمعيّات الإسلاميّة إحداهما تتبنّى عبدالله شاهين (القريب من المفتي) وأُخرى تستبدله بوسام رضوان المدعوم من الشيخ ماهر الجارودي، ولائحة رابعة اعتمدها معظم القضاة المدنيين. ومن المفارقات التي أظهرها الفرز أنّ بعض الأوراق كُتب عليها اسم واحد، ووجود لوائح غير مقفلة تضم 5 مرشحين غالبيّتهم من جو علماء الدين، و«لوائح ملغومة» شكّلتها مجموعات غير محسوبة على أي طرف.
ورغم التشطيب وتركيب اللوائح اللذين لم تشهدهما دار الفتوى سابقاً، واستنفار الماكينات الانتخابيّة، ما أدّى إلى مشاركة 125 من أصل 136 ناخباً بعد الاتصال بالذين لم يحضروا حتّى الدقائق الأخيرة، كان واضحاً أن القوّة التجييريّة لكل فريق، بمن فيهم المستقبل ودريان، لم تتعدَّ الـ30 ناخباً على أبعد تقدير. وثبت بالوجه الشرعي أنّ أحداً لم يكن قادراً وحده على فرض لائحته، إذ لم يفز في الانتخابات بأصواتٍ مرجّحة (تفوق 60) إلا من حظوا بدعم أكثر من طرف (دريان والمشايخ أو المستقبل والمشايخ أو قاسم مشترك بين دريان والمستقبل) كرئيس «جمعيّة الدعوة الإسلامية» الشيخ زياد الصاحب وشربجي وممثل «الجماعة الإسلامية» عبد الحميد التقي وممثل «الإرشاد والإصلاح» وسيم المغربل. فيما كان محافظ جبل لبنان القاضي محمّد مكاوي هو الاسم المشترك بين كل القوى لكوْنه «صفر مشاكل» مع الجميع، فنال 107 أصوات، وهو رقم لم يصل إليه أيّ من القضاة المدنيين في الدورات السابقة.
«الجماعة» و«الإرشاد» غدرتا بالمستقبل؟
من كانوا على لائحة المستقبل نالوا أرقاماً هزيلة. «القلّة» يعزوها «الزرق» إلى دعم «الجماعة» و«الإرشاد والإصلاح» مرشحيهما عبد الحميد التقي ووسيم المغربل، من دون أن يُجيّرا أصواتهما لمصلحة المُرشّحين المدعومين من «المستقبل»، والاكتفاء بتوزيع لوائح من 5 أشخاص بدلاً من 8. وهو ما تجلّى بالرقم الضئيل الذي حصل عليه زرّاد (57 صوتاً) بفارق 12 صوتاً عن التقي و30 صوتاً عن المغربل. «الغدر» الذي يتحدّث عنه «مستقبليون» أدّى إلى خسارة الشافعي الذي كان فوزه سيشكل ضربة كبيرة لدريان (خسر الشافعي بفارق صوتيْن عن أوّل الخاسرين زرّاد، بعدما أُلغيت ورقتان حملتا صفته الرسميّة).
في المقابل، ينفي مقرّبون من «الإرشاد والإصلاح» حصول تفاهمٍ مع «المستقبل» بشأن أي اسم في الأصل، لافتين إلى أن اسمَي الشافعي وزرّاد كانا على اللوائح التي وزّعوها. والأمر نفسه يؤكده مسؤولو «الجماعة الإسلامية». وعليه، يعزو متابعون خسارة الشافعي إلى نقمة دريان وعسّاف عليه، وتركيز ماكينتهما الانتخابيّة على شطب الشافعي وزرّاد واستبدالهما بدندن وفلاح. كما يشير هؤلاء إلى ضغوط و«مخالفات» داخل قاعة التصويت من قبل بعض موظفي مديريّة الأوقاف الإسلاميّة. كذلك يُعزى جانب من هذه الخسارة إلى توزّع الأصوات بين القضاة الشرعيين، ما أدّى إلى استبعاد المرشحين الثلاثة، إذ نال القاضي الشرعي الشيخ وائل شبارو 34 صوتاً. ويتردّد أنّ بعض المحسوبين على «الحريريين» شطبوا اسمه.
وإذا كان الحظ لم يحالف «المستقبل» في إيصال الشافعي كما في حصوله على أرقام هزيلة، إلّا أنّ الخسارة المدوّية كانت من نصيب دريان، خصوصاً أن لا مرشحين «pure مستقبل» على اللوائح، بل تبنّى التيار من رأى أنهم الأوفر حظاً، فيما أخفقت كل جهود دريان، في المقابل، في إيصال المرشحيْن فلاح ودندن إلى «حافة النجاح»، فحصل الأوّل على 50 صوتاً والثاني على 42 صوتاً، كما حصل مرشّح مخزومي المدعوم من المفتي على 50 صوتاً، ونال نبيل عيتاني الذي سوّق على أنّه مدعوم من دريان وسنو 16 صوتاً. وكانت «النكسة» الكُبرى بحصول المرشح المحسوب على دريان، عبدالله شاهين، على رقمٍ هزيل لا يتعدّى 58 صوتاً، خصوصاً أنّ البعض يُشير إلى أنّ ما عزّز حظوظه هو كوْنه واحداً من أعضاء «جمعيّة إرادة» (مجموعة من رجال الأعمال)، وإلا لكان لقيَ مصير فلاح ودندن.
كلّ ذلك، يُؤكد أن لا وجود لـ «القوّة الضاربة» التي ادّعى دريان أنّه يمتلكها وجلس على طاولة المفاوضات من خلالها، بهدف تشكيل اللوائح وشطب مرشحين و«الشد» بآخرين، إذ يؤكد متابعون أنّ المفتي لم يتمكّن من تجيير أكثر من 30 صوتاً للمرشحين الذين أعلن دعمه لهم، فيما لم تكن له «موْنة» على الكثيرين، وأن بعض مرشحيه، كدندن، كانوا ضحية «الثأر» من قرار التمديد له، فيما خسارة آخرين، كفلاح، كانت نتيجة تصفية حساب ملف «وقف البر والإحسان».