المساعي التي بُذلت وتُبذل على أكثر من صعيد لوأد الفتنة في عين الحلوة لم تحل أصل المشكلة، إذ إن من يبذلون هذه الجهود ينطلقون عملياً من ضغط أبناء المخيمات الذين ضاقوا ذرعاً بالتفلت الأمني، وتحت ضغط أبناء صيدا الذين يعانون، وكذلك سالكو طريق بيروت – الجنوب، من القذائف «الفالتة» والرصاص العشوائي، وبعضه مقصود لتوسيع دائرة التوتر.في الوساطات، تمظهرت الخلافات اللبنانية - اللبنانية وفقَ المحاور التي تشكّلت إلى جانب المتقاتلين. وكان لافتاً أن القيادات الصيداوية التي تدخّلت لوقف إطلاق النار، لم تكن حاسمة جداً مع الفصائل الفلسطينية، حتى إنه في أحد الاجتماعات، وعندما عبّر النائب أسامة سعد عن امتعاض أبناء صيدا من هذه المعارك العشوائية، لم يعمل على كبح جماح المسؤول الفتحاوي فتحي العردات الذي كان يصعّد الموقف سياسياً، ويطرح مطالب لا تقود إلى وقف فوري لإطلاق النار، إلى درجة أن أطرافاً فلسطينية عبّرت عن استغرابها لعدم ممارسة سعد الضغوط التقليدية على فتح. أما جهود حزب الله وحركة أمل فتركز على حصر المواجهات بالمجموعات نفسها وعدم توسّعها لتشمل فصائل المقاومة من حماس والجهاد الإسلامي، سيما أن هذه رغبة أركان في السلطة الفلسطينية، خصوصاً بعد الزيارة الخبيثة لرئيس مخابرات السلطة ماجد فرج لبيروت الأسبوع الماضي.
صحيح أن كل اشتباك في مخيمات لبنان لا يخرج إلا بكوارث إنسانية تزيد من أزمة سكان أكثر البؤر فقراً وعشوائية ونقصاً في المرجعيات الحاسمة قانونياً واجتماعياً. لكن، هذه المرة كانت الأضرار أكبر، إذ خسرت فتح تسعة من قياداتها وعناصرها، مقابل واحد لعصبة الأنصار وآخر للمجموعات الإسلامية، إضافة إلى 32 جريحاً بينهم ستة من أبناء صيدا الذين أصيبوا بالرصاص المتفلّت.
وأظهرت الساعات الأخيرة من الاشتباكات أن عاملاً مهماً دفع بقيادة فتح في عين الحلوة إلى القبول بوقف إطلاق النار، تمثّل في نفاد الذخيرة وعدم تلبية طلباتها بتزويدها بذخيرة ومقاتلين من خارج المخيم. فيما لعبت عصبة الأنصار دوراً في منع المجموعات الإسلامية من شنّ هجمات ضد مقرات فتح، كانت ستكشف فتح كحركة هرمة غير قادرة على المواجهة. وهي أدركت، برغم الخلافات بين أركانها، أن توسيع دائرة المعركة سيجعلها عرضة لضربة قاسية لا تريدها لا هي ولا قيادة السلطة في رام الله.
لعبت عصبة الأنصار دوراً في منع شن المجموعات الإسلامية هجمات ضد مقرات فتح


بالعودة إلى الوقائع الأمنية التي رافقت عمليتَي الاغتيال، الأولى ضد عناصر من الإسلاميين، والثانية ضد القيادي العسكري الفتحاوي، فإن غالبية المصادر تشير إلى علامات استفهام، خصوصاً أن بعض المتورطين في الأعمال العسكرية يرتبطون بطرق مختلفة مع أجهزة استخبارات السلطة الفلسطينية، وسط معلومات عن أن فرج حمل معه إلى لبنان كمية كبيرة من الأموال وُزعت على قيادات الحركة وعلى آخرين. ويصعب أن تجد مسؤولاً شارك في الاتصالات خلال اليومين الماضيين، لا يشير بأصبع الاتهام إلى خلايا مشبوهة، سواء نسب انتماء عناصرها إلى أجنحة في فتح، أو إلى المجموعات الإسلامية. حتى إن قياديين بارزين في حركة فتح عبّروا عن امتعاضهم من طريقة عمل فرج، ومحاولته فرض قواعد جديدة تخالف الأصول المتّبعة في لبنان، علماً أن هذه القيادات نفت وجود أي دور للعناصر الفتحاويين المنشقين لمصلحة القيادي محمد الدحلان، وتحدّثت هذه القيادات عن مشكلة كبيرة تواجه فتح في لبنان، خصوصاً إذا قررت السلطة خلق قيادة جديدة وفرضها على الجميع، سياسياً وتنظيمياً وعسكرياً.
عملياً، خرجت فتح من هذا الاشتباك خاسرة على أكثر من صعيد، وسيلمس الفتحاويون أن خسارة القائد العسكري أبو أشرف العمروشي، ستنعكس ضعفاً على تشكيلات الحركة، ولن يقدر خلفه أبو أياد الشعلان على القيام بالمهمة. أما الحديث عن احتمال عودة فرج إلى بيروت، فليس فيه أي حكمة، علماً أن مصادر في فتح نفت علمها بذلك، لكنها أشارت إلى أن الخبر مردّه إلى أن فرج لم يستكمل محادثاته في بيروت، بعدما اضطر للانتقال سريعاً إلى تركيا للمشاركة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الاجتماعات التي عقدها مع قيادة حركة حماس.
وكانت هذه الاجتماعات مناسبة لتوضيح الكثير من النقاط العالقة، خصوصاً من جانب نائب رئيس حركة حماس صالح العاروري الذي أنّب فرج على ما يقوم به في لبنان، بعد ما قام ويقوم به داخل فلسطين. علماً أن فرج كان محرّضاً على العاروري بشكل أساسي في اجتماعات عدة عقدها في بيروت.
فرج الذي سمع في تركيا كلاماً حاسماً بأنه ممنوع عليه العمل في لبنان ضد فصائل المقاومة، يعرف أنه بعد ما جرى في عين الحلوة، سيكون سلوكه وحتى حضوره إلى بيروت محل استنكار لبناني وفلسطيني، وهو عندما يعود إلى رام الله، سيكتشف أن المقاومة ضد قوات الاحتلال ستشتد أكثر، وسيواجه تحديات إضافية داخل حركة فتح نفسها.