وفي المقابل، سنضمن لكم صمت تركيا وقطر والسعودية، ونعدكم ــــ فقط نعدكم ــــ بالقضاء على «داعش» وقوى التمرد العسكري!
ليس أغبى من الاميركيين الا من يصدّقهم، او من يظهر حاجته اليهم. واذا كان وسط القوى النافذة في سلطة العراق، او بعض دول الجوار، من يعتقد بأن عودة الجيش الاميركي الى العراق يمكن ان تحقق الامن والاستقرار، فهو واهم، لكن الاكثر خطورة في الامر، هو محاولة البعض اعتبار طلب التدخل الاميركي أمراً عادياً. حتى إن بعض هؤلاء يتناسون ان من قد يكون قد تسامح عام 2003، فإنما فعل ذلك لأن الغزو الاميركي لم يكن ينتظر إذناً من احد، ولأن الخصم الذي اطيح كان نظاماً مرفوضاً من غالبية شعبية، ومصدر ضرر لكل دول الجوار.
لكن لماذا يطلب عراقي عاقل، او وطني، او راغب في الاستقلال، ان تتدخل القوات الاميركي لنصرته؟ وعلى من؟ ولماذا؟
هل في العراق من يعتقد بأن عودة الاحتلال الاميركي توفر حكماً مستقراً؟ او توفر علاجاً امنياً لمشكلة التيارات التكفيرية؟ وهل دلتنا تجارب الماضي على ان اميركا قادرة اصلاً على حماية جنودها، قبل ان نسأل عما اذا كانت قادرة فعلاً على مواجهة الارهاب؟ وهل صحيح ان بيننا من لا يزال يعتقد بأن الاميركيين يمثلون ضمانة امنية وعسكرية وسياسية، وحتى اقتصادية؟
لا حاجة الى النقاش في هذه النقطة، لكن هناك حاجة إلى القول إن كل استجداء لتدخل خارجي، اميركي او غير اميركي، انما هو تعبير عن عجز كامل. وهو اشارة الى ان المستدعي، مهما كان شكله او لونه او مذهبه او ميله، هو شخص دوني، حقير، يريد ان يعيش عبداً لمستعمر، وعميلاً لمحتل، ويرغب في أن يكون تابعاً لقوة احتلال قتلت الملايين من ابناء امتنا، ولا تزال تدعم مجرمي حرب، على هيئة عصابات او حكومات او جيوش، وهؤلاء لا يتوقفون لحظة واحدة عن قتلنا وسرقة ثرواتنا وحقوقنا.
كذلك، من الضروري القول بحسم وجزم: لا حصانة، لا اخلاقية ولا سياسية ولا انسانية ولا شرعية، لاي شخص او جهة او حكومة او دولة او مجموعة او طائفة او كتلة تستدعي الاحتلال لكي تثبت حكمها. العراق لم يعد يتحمل مثل هذه المغامرات. ومن يجد نفسه عاجزاً عن مواجهة الاستحقاقات، او مواجهة متطلبات المرحلة، فليس امامه سوى الانسحاب والرحيل.
اما مسؤولية المواجهة الحاسمة مع «داعش» ومناصريها من قوى او داعميها من حكومات وأجهزة، فتلك عملية تستدعي التفكير في طريقة مختلفة تماماً. تستدعي، اولاً، الاقرار بالفشل في بناء نصف دولة، او نصف جيش قادر على حفظ الامن. وتستدعي الاقرار بالفشل في خلق مناخات سياسية تعقّد مهمة الاعداء والخصوم، وتستدعي الاقرار بأن الاصرار على اعتماد الحل الامني يتطلب رجالا وقوى وآليات عمل، غير تلك الموجودة اليوم بين ايدي القابضين على الامر في العراق.
جبهة التكفير
تتوحّد وجبهة المواجهة قادرة على التوحّد، شرط الاقتناع بأن ظروف
الـ 2003 تبدّلت
ومن كان يعتقد بأن الحرب القائمة في سوريا ستبقى محصورة داخل حدود سوريا، فهو نفسه الذي حاول «النأي بالنفس»، بطريقة طفولية، تعكس ضمناً ميلاً نحو الالتحاق بالاقوى. وهي سمة مجموعات كبيرة في بلادنا العربية. واليوم، بعدما توحدت قوى الارهاب في سوريا ولبنان والعراق واليمن وليبيا ومصر، وهي التي تستمد عناصر قوة من حكومات الاجرام والقتل في السعودية وقطر وبلاد اخرى، فان المقابل المنطقي هو توحّد الجبهة المقابلة. وهي جبهة قادرة على خلق وقائع ميدانية تمنع نجاح المتمردين في خطتهم. وتجربة سوريا، التي نجحت بعد عام ونصف عام من الازمة، في خلق آليات تعاون بين القوى المحلية والاقليمية المعنية بهذه المواجهة، دلتنا على امكانية تحقيق مكاسب كبيرة. وعلى افشال المشروع الاخر.
اليوم، يرفع المتمردون راية الاستقلال على خلفية طائفية ومذهبية، وهم يمهّدون الطريق لذلك عبر مسلسل من الجرائم والمجازر على خلفية عنصرية وطائفية مقيتة. وهذا الموقف يجد من يقبله في اكثر من دولة عربية. وسيكون هناك من يساعده ايضاً، لكن المشكلة، ليست في استحالة قيام حالة كهذه، لاسباب سياسية واقتصادية وامنية وديموغرافية، بل في كل تأخير عن توحيد الجهود في وجه هؤلاء.
اميركا تظل عنوان الشر، وعندما تبدو للحظة كأنها تواجه المجرمين أنفسهم، فذلك لا يعبر عن تحوّل، بل عن اضطرار إلى تكتيك خاص، لكن، من يقدر على مواجهة التكفيريين، وابعاد الاميركيين وحلفائهم، فهو قادر على تحقيق الهدف الفعلي في الاستقلال.
ما كان قائماً عام 2003 لم يعد صالحاً اليوم!