سعت المقاومة الإسلامية «حماس» في السنوات الماضية إلى تحسين العلاقة بين حليفَيها في لبنان الجماعة الإسلامية وحزب الله. واستطاع رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية، خلال زيارته لبنان العام الماضي، عقدَ لقاء بين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والأمين العام للجماعة الإسلامية، عزام الأيوبي. اللقاء كان لإعادة الثقة بين الطرفين المتخاصمين، وذلك بسبب التراكمات السلبية التي خلّفتها السنوات الماضية، واعتبار قيادات في الجماعة أن السيد نصر الله غير مطّلع على تفاصيل اللقاءات التي تعقدها قيادات في حزب الله مع قيادات في الجماعة ضمن اللجنة المشتركة التي شكّلها الطرفان، والتي تهدف إلى التواصل وخفض التوتر بينهما.

(هيثم الموسوي)

يعود تاريخ العلاقة بين الجماعة والحزب إلى بداية تأسيس الحزب في ثمانينيات القرن الماضي. وبعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري عام 2005 ساءت العلاقة، إلّا أنهما لم يقطعا التواصل. بعد 7 أيار 2008، تأزمت العلاقة، وذلك بعدما اعتبرت الجماعة أن الحزب استخدم سلاح المقاومة في الداخل، بينما كانت وجهة نظر الحزب حينذاك أن السلاح يدافع عن سلاح الإشارة (في 5 أيار ذاك العام أصدرت حكومة فؤاد السنيورة قراراً طلبت فيه من الجيش اللبناني نزع شبكة الاتصالات الداخلية للمقاومة).
في تلك الفترة، لم يشتبك الطرفان في بيروت، لكن الهوّة بينهما تعمقت. ومع اندلاع الأزمة السورية عام 2011، ثم دخول حزب الله إلى سوريا في العام التالي، وقتاله إلى جانب الجيش العربي السوري، وصلت العلاقة بين الحزب والجماعة إلى حدّها الأدنى، إذ رأت قيادات في الجماعة أن الحزب شريك لنظام يكنّ عداءً تاريخياً لحركة الإخوان المسلمين.
تمكّن هنيّة من ترتيب لقاء بين الأمين العام لحزب الله والأمين العام للجماعة الإسلامية، في سبيل استعادة الثقة بين الطرفين


تراكم سنوات من العلاقة السيئة، وما شهده لبنان من تفجيرات انتحارية واستقطاب تنظيمات مثل جبهة «النصرة» و«داعش» لبعض الشباب السني بسبب غياب قيادات وتنظيمات عقائدية يمكن من خلالها تأطيرهم، دفع الحزب إلى مراجعة علاقته مع الجماعة. وبحسب متابعين للملف بين الحركتين الإسلاميتين، «من مصلحة حزب الله أن تكون الجماعة الإسلامية قوية، فهي حاضنة عقائدية مهمة للشباب السني، كما أنها غير معادية للمقاومة، بل مؤيدة للصراع مع إسرائيل». وتقول المصادر إن «من مصلحة الجماعة تحسين علاقتها مع الحزب، وذلك بسبب تأثيره الكبير في لبنان، وبعده الإقليمي، ما سينعكس إيجاباً على حالة الجماعة». لكن، وبالرغم من النية الموجودة لدى الطرفين بتحسين علاقاتهما، وتشكيلهما لجنة مشتركة تلتقي كل فترة، إلّا أن إمكانية عودة العلاقات إلى ما كانت عليه سابقاً تحتاج إلى وقت طويل، وذلك بسبب المشاكل الداخلية التي تعانيها الجماعة، وعدم تقبّل عدد كبير من قياداتها عودة العلاقة بالحزب، وغياب الثقة بين الطرفين بسبب السنوات الماضية، إضافة إلى عدم سعي حزب الله إلى استثمار لقاء الأيوبي ــــ نصر الله.
داخل الجماعة، هناك رأي لا يتقبل عودة العلاقة مع حزب الله، وخاصةً بعد 7 أيار وتدخل الحزب في الحرب السورية. ويشرح رئيس المكتب السياسي للجماعة عماد الحوت لـ«الأخبار»، وجهة نظر هؤلاء، واعتبارهم أن هناك تَغيّراً في «وجهة استخدام سلاح المقاومة، بشكل أو بآخر»، وهو الملف الذي «التقينا لسنوات طويلة في السابق» عليه، و«كان هناك جُهد مشترك في هذا الإطار»، يقول الحوت.
في السنوات التي تلَت خفض وتيرة المعارك في سوريا، فعّل الطرفان قناة الارتباط بينهما، والتي «كانت تلتقي من وقت لآخر، بهدف حلحلة بعض الإشكالات أو بحث بعض الملفات»، تحديداً وأن منع الفتنة المذهبية في لبنان بقيَ هَمّا مشتركاً للحزب والجماعة، حتى في أسوأ مراحل علاقتهما، التي يُوصّفها الحوت بـ«الخلاف السياسي العميق جداً». إلّا أن تطورات السنوات الماضية، وتحديداً المتعلّقة بـ«صفقة القرن»، وصولاً إلى انفجار الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان، دفعت بالجماعة إلى إعادة مقاربة ملف العلاقة مع حزب الله، ليجري التوافق بين الجانبين «على أن المرحلة تقتضي المصارحة حول النقاط الخلافية وتنظيم الخلاف بهدف إعلاء نقاط الالتقاء»، التي تتمثل بنقطتين أساسيتين، وفق ما يوضح الحوت، الأولى هي «القضية الفلسطينية والتهديد الإسرائيلي للبنان»، والثانية هي «الواقع المأزوم في الداخل اللبناني وكيفية إيجاد نقاط مشتركة».
وفيما أكد الحوت أن الحوار بين الطرفين يجري بشكل مباشر، ومن دون وسيط، من خلال لجنة تضم قياديين من الطرفين، كشف مصدر مطّلع لـ«الأخبار» أن هنية ساهم في تزخيم وتيرة اللقاءات بين الجانبين، ورفع مستوى التمثيل القيادي في هذه الاجتماعات، لاقتناعه بأن المرحلة «تقتضي رصّ الصفوف».

داخل الجماعة، ثمّة رأي لا يتقبّل عودة العلاقة مع حزب الله، وخاصةً بعد ٧ أيار وتدخّل الحزب في الحرب السوريّة


ووفق المصدر المطّلع، قطعت عملية ترميم العلاقة بين الجانبين «شوطاً مقبولاً»، من دون أن تصل إلى حدّ «التفاهم الشامل»، على حدّ قول الحوت. وعن سبب الخلاف الأساسي، أي الملف السوري وتدخل حزب الله، يؤكد الحوت أن وجهة نظر الجماعة المُتمثّلة بأن «هذا التدخل خاطئ من ناحية المبدأ، ومن ناحية مصلحة لبنان» لم تتغير. ولدى سؤاله عن تدخل أطراف أخرى في الأزمة السورية، لم يُنكر الحوت الأمر، إلّا أنه استدرك بأن ما يعنيهم هو الشأن اللبناني وحزب الله، بحكم أنه مُكوّن لبناني.
أما بالنسبة إلى «نقطة الالتقاء الأساسية»، أي المقاومة، اعتبر الحوت أن «من مصلحة المقاومة في لبنان أن تُبقي على إجماع اللبنانيين حولها، وألا تصبح نقطة اختلاف داخل الأرض اللبنانية»، مشدداً على أن «مبدأ المقاومة مبدأ أساسي، على أن تكون مقاومة لبنانية».
وفي الجانب المُتعلّق بالدعم الخارجي، رأى الحوت أن «من الطبيعي جداً» وجود ظَهيرٍ يُساعد المقاومة في الإمكانات والتقنيات، مؤكداً أنهم يرحّبون بهذا النوع من الدعم «إلى آخر مدى».
إلّا أن الحوت مَيّز في هذه القضية بين أمرَين، الأول «أن يأتي الدعم حتى أكون مقاومة في لبنان»، والثاني «أن يأتي الدعم حتى أتحوّل إلى جزء من صراع المنطقة وحالة الإرباك في المنطقة»، معتبراً أن الدعم حينما يكون مشروطاً بـ«أن أكون أداة في نزاعات في الإقليم، فهذا لا يعود دعماً».
هذا الواقع تدركه حركة «حماس» وحزب الله والجناح المؤيد لعودة العلاقة مع الحزب داخل الجماعة، وهؤلاء يصرّون على تحسين العلاقة لأنه، وبحسب مصادر مقرّبة من «حماس»، فإن الفترة المقبلة ستشهد ورشة عمل تحتاج إلى وحدة الجميع.