الضغط الذي يتحدّث عنه العاملون في المختبرات الطبية والمستشفيات يشير إلى أن الاختبارات اليومية تقلّ عن نصف المطلوب من الناس في مواجهة انتشار الفيروس. مع ذلك، فإن حصيلة النتائج تشير إلى نسبة تلامس عشرين في المئة. يعني ذلك أنه إذا نُظّمت حملة وطنية لفحوصات تلامس المئة ألف في يوم واحد، فسيكون لدينا عشرون ألف مصاب على الأقل.

اسألوا العاملين في الجهاز الطبي، في لبنان وخارجه، وستعرفون ببساطة أن مشكلة اللقاح هي التحدّي الأبرز اليوم أمام حكومات العالم وشعوبه. دول نجحت، من خلال إجراءات، في ضبط الانتشار، وهي إجراءات نجحت بفعل تشدد السلطات أولاً، ووعي المواطنين ثانياً، وليس العكس. لكن التحدّي أمام الجميع الآن يتعلّق بحملة التلقيح الوطنية. وطالما أنه ليس في مقدور أحد البتّ علمياً بسلامة كاملة للقاح وضمان آثاره، فإن كل عاقل، في أي مكان في هذا العالم، يتعامل مع اللقاح كإجراء احترازي، لأنه يحدّ من الانتشار، ويقلّل من حجم الإصابات، وبالتالي من حجم الضحايا. والحكومات المستقرة، عادلة كانت أو مستبدّة، إنما تفعل ذلك ربطاً بكون الانهيار الصحي وانتشار الوباء هو مصدر الانهيار المركزي لأي دولة.

ماذا نفعل نحن في لبنان؟
الدولة الفاشلة لم تعد فاشلة فقط، بل صارت شريكة في جريمة كاملة. ليس هناك اليوم من مسؤول في هذه السلطة إلا ويشارك في هذه الجريمة. إما بامتناعه عن خوض معركة المواجهة لاتخاذ الإجراءات وفق أولوية صحة الناس فوق كل أولوية، بما فيها أولوية العمل والإنتاج. لم يمت ولن يموت أحد من الجوع، وهذه كذبة لا داعي للإصرار عليها. وأزمة الاقتصاد الوطني لن تعالج بتجارة قائمة على السرقة والنهب والزعبرة وعدم احترام المعايير. وأزمة الإنتاج لن تعالج بفتح مصانع لا نعرف ما الذي تنتجه: تخيّلوا كمية الأصناف المفقودة من السوق، ليس لعدم وجود قدرة على استيرادها، بل أصلاً لعدم وجود من يصنعها في لبنان... هل تشترون الكمامات من الصين أيضاً؟
اليوم، كل من يتولى مسؤولية في الدولة ومؤسساتها، مدنية أو عسكرية أو مالية أو اقتصادية أو اجتماعية أو خلافها، هو شريك في جريمة متمادية، لا أحد يعرف حدودها. والعجز عن إجبار مستشفى ينهب الناس يومياً على استقبال مرضى كورونا، يعني دعوة الناس الغاضبين إلى حرق هذا المستشفى بمن فيه. وكل عجز عن إجبار مركز تجاري أو مطعم أو ملهى عن إقفال أبوابه هو دعوة لحرقه، بمن فيه أيضاً. وكل عجز عن منع الناس من التجول هو دعوة لأن يخرج المجانين لإطلاق النار عشوائياً على الناس، وليس في الهواء هذه المرة.
القيادات العسكرية والأمنية مشغولة بماذا، لا نعرف؟ حقيقة لا نعرف سبب استمرار وجود الآلاف من العسكريين من رتب مختلفة في خدمة ضباط كبار أو مسؤولين في الدولة أو مرافقين لهذا أو ذاك، بينما تحتاج القرى والبلدات إلى بضعة عناصر من الشرطة لتنظيم الإغلاق المحكم. هل تعرفون عدد العسكريين الموضوعين في تصرف السياسيين على اختلاف صنوفهم... هل تعتقدون أن الحشود تمنع الفيروس من الوصول إليكم، أم ماذا؟
لكن النكبة الكبرى تكمن في ملف اللقاح.

في الحكومة من ينسب إلى البنك الدولي اشتراطه أن تنفق الأموال المخصّصة للقاحات على اللقاح الأميركي فقط


هل يعرف اللبنانيون أن في الحكومة من ينسب إلى البنك الدولي اشتراطه أن الأموال المخصصة لشراء اللقاحات يجب أن تنفق فقط على اللقاح الأميركي، وأنه يمنع استخدامها للحصول على أي لقاح آخر، وخصوصاً الصيني؟ ألا يمكن وقف الدعم عن البنزين لشهرين فقط واستخدام هذه الأموال لشراء اللقاحات الصينية الأكثر توافراً وسهولة في الاستخدام...
ما الذي يمنع رئيس الجمهورية ميشال عون، في كل لحظة، من استدعاء السفير الصيني في لبنان، وإبلاغه بحضور كل من يهمّه الأمر من أركان الدولة، بأن لبنان يريد حصة وازنة وسريعة من اللقاح الصيني. ما الذي يمنع رئيسَي الجمهورية والحكومة من إيفاد وزراء إلى الصين لعقد صفقة من أجل الإتيان باللقاح، من دون انتظار رضى أو غضب سفراء أميركا أو بريطانيا أو فرنسا أو حتى ممثّلي الأمم المتحدة الذين يتّضح أنهم الأكثر فساداً في لبنان.

ما الذي تنتظرونه؟
أمس، قال لي مسؤول كبير في وزارة خدمات معنية بالملف إنه حاول طوال النهار متابعة الحاجات مع الوزارات المعنية، من دون طائل. وعندما حاول الوصول إلى مكتب رئيس الحكومة، جاءه الجواب بأن النقاشات قائمة بين الوزراء، ليتبيّن لاحقاً أن المشكلة التي يتناقش فيها الوزراء تتعلق بأذونات للموظفين، لأن فلاناً يأتي وآخر لا يأتي وهذا مسموح له وآخر لا، وهذه المنصّة تعمل وهذا القرار لا يُنفّذ. قال لي المسؤول نفسه: فكرت أنهم غير موجودين على السمع لأنهم منشغلون في مساعدة القطاع الصحي، لكن تبيّن أنهم منشغلون بمناقشة فلسفة القرارات حول الإغلاق ومن يأتي إلى العمل ومن لا يأتي، وما هي أحوال الطرقات وأنهم بحاجة إلى أجوبة حول حركة الناس، بينما يفترض بهم الرد على سائليهم من الناس بعبارة واحدة: سدّوا بوزكم وانضبّوا ببيوتكم!
اليوم، يسعى سعد الحريري في أبو ظبي إلى إقناع حكومتها المتعاقدة مع الصين، بأن تمنح لبنان ما يكفي للقاح مليون مواطن على الأقل. وبمقدور الحريري طلب أن يكون قسم على شكل هبة، وقسم مدفوع الثمن، ويقدر الحريري، وأنا أصدّقه أكثر من كلّ من هو موجود في الحكومة اليوم، على توفير المبالغ المطلوبة لشراء نصف الكمية على الأقل، وسيكون معه الكثيرون من الراغبين وليس القادرين فقط على المساهمة...

ماذا تنتظرون، بعد؟
هل تريدون أن تلفّ الأكفان كل قصوركم وبيوتكم ومقارّكم، هل تريدون أن يفتك الوباء بكل من حولكم حتى تشعروا بالخطر؟ ما الذي يجعلكم تفيقون لحظة من سباتكم؟
ليكن الكلام واضحاً للجميع، من وزير الصحة إلى اللجنة العلمية، إلى كل الوزراء ورئيسهم ورئيس الجمهورية وكل النواب ورئيسهم: إذا كان لديكم تبرير علمي موافق عليه يمنعكم من استخدام اللقاح الصيني، اشرحوه لنا وأقنعونا، ونحن أصلاً لا نثق بكل ما تقومون به...
غير ذلك، قوموا بواجبكم، أو ارحلوا... جميعاً، والآن قبل الغد!