قررت «إسرائيل» الغياب عن ملف الترسيم البحري والمفاوضات غير المُباشرة مع لبنان. ذلِك أن آخر تصريح رسمي في ما يتعلّق بهذا الملف، كانَ لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي أعلنَ استعداد بلادِه لمواصلة العمل بينَ الطرفين «المُتباعدين» كما وصفهما، واستكمال الوساطة. أما الإعلام الإسرائيلي، فمنذ نحو أسبوعين وهو يتخذ وضعية الصمت بشأن المفاوضات، علماً بأن المسؤولين الإسرائيليين سبقَ أن كثّفوا عبرَ صفحاتِه رسائلهم التهديدية بتعليق المفاوضات أو الانسحاب منها، على إثر طلب لبنان في الجلسة الأخيرة في الناقورة (مطلع شهر كانون الأول الماضي) بخط جديد، يعطيه ‏‏1430 كيلومتراً مربعاً، تضاف إليها 860 كيلومتراً مربعاً سبق أن شكّلت المنطقة «المتنازع عليها»، أي ما مجموعه 2290 كيلومتراً ‏مربعاً. ومنذُ ذلِك الحين، لم يُسجّل أي تطورّ، ولا نتيجة للنقاش المنفرد مع الجانب اللبناني الذي تولاه السفير الأميركي جون ديروشيه، حينَ زار بيروت للضغط على لبنان للعودة الى الخطوط الأساسية التي كانَت مطروحة وعدم رفع السقوف للحفاظ على المفاوضات، فكان الجواب بعبارة «التمسّك بحقوقنا التي تُثبتها الوثائق والخرائط».لكن هذا «الهدوء» على الجبهة المقابلة، لم يمنع لبنان من مواصلة جهوده. ففي اليوم الأخير من العام الماضي، كانَ لافتاً اجتماع الرئيس عون بأعضاء الوفد اللبناني المُكلف بالتفاوض حولَ عملية الترسيم، خاصّة أن المعلومات لم تُشر إلى عامِل جديد يستدعي عقد اللقاء الذي قيل إنه «لعرض الخطوات التي سيتخذها لبنان تحضيراً لاستئناف المفاوضات في المواعيد المقبلة». فماذا كانَ في الاجتماع، خاصة أن مصادر على بيّنة من تفاصيل الملف أكدت أن «الأميركيين لم يحملوا في الأسبوعين الماضيين أيّ رسائِل، كما ليسَ ظاهراً أن هناك جلسات تفاوض قريبة»؟
تقول معلومات «الأخبار» إن «الوفد العسكري هو من طلبَ لقاء الرئيس عون بسبب غياب المؤشرات بشأن استئناف عملية التفاوض من جديد»، لذا عرض الوفد مع رئيس الجمهورية «التدابير المُستقبلية التي على لبنان القيام بها، لجرّ الجانب الآخر الى طاولة المفاوضات مِن جديد، أو القيام بخطوة استباقية لتأكيد أن لبنان لن يتراجع عن الخطّ الذي طرحه أخيراً». وإلى حين حلول شهر شباط، موعِد تسلّم الإدارة الأميركية الجديدة الملفات الخارجية، ومن بينها الشرق الأوسط، وهو الشهر الذي تُرجّح المصادر أن يُعاد فيه استئناف التفاوض، علمت «الأخبار» أن مِن بين التدابير التي نوقِشت في الاجتماع بين عون والوفد فكرة إعداد مرسوم جمهوري يحدد مساحة المنطقة البحرية الخالصة للبنان، على أن يُرسَل إلى الأمم المتحدة لتثبيته. بكلام أوضح، أي يلجأ لبنان إلى «ترسيم من جانِب واحد». هذه الفكرة ليسَت بجديدة، فقد سبَق أن طرحها رئيس الجمهورية قبلَ البدء بالمفاوضات لينطلق منه الوفد اللبناني في مفاوضاته مع العدو. لكن المرسوم لم يمُر بسبب رفض الرئيس حسان دياب ووزير الأشغال ميشال نجار التوقيع بحجة أن «مرسوم كهذا يحتاج إلى حكومة أصيلة لا حكومة تصريف أعمال». حتى إن هذا الطرح لم يلقَ تجاوباً من قِبل قوى معنية بالملف، فقد تحفّظ حزب الله على الطرح، فيما رفضه رئيس مجلس النواب نبيه بري من منطلق أن «أي تراجُع عن هذه المساحة التي يطلبها لبنان ستجعله في موقعٍ حرج وتظهره بمظهر المتنازل».
الرئيس عون يريد قطع الطريق على العدو الذي يسعى الى التسويف والمماطلة


ومع أن فكرة المرسوم لم تحظَ بإجماع عليها، حملها الوفد اللبناني الى طاولة المفاوضات بطلب من الرئيس عون. اليوم يُعاد إحياء هذه الفكرة، لكنها بحسب المصادر تحتاج إلى «إجماع وطني». ولذا ستبدأ الاتصالات في الأيام المقبلة بينَ بعبدا ورئيس الحكومة المكلف حسان دياب، كما وزير الخارجية والقوى السياسية المعنية للوصول إلى اتفاق يقضي بإعداد مرسوم يؤكّد حق لبنان بمساحة 2290 كيلومتراً مربعاً في المنطقة البحرية. وفيما قالت أوساط سياسية أن «هذا الأمر يحتاج الى التفكير والنقاش والدراسة»، أكدت أوساط بعبدا أن «الرئيس يريد قطع الطريق على العدو الذي يسعى الى التسويف والمماطلة، فيما لبنان بحاجة الى الانتهاء من ملف الترسيم للبدء بمسار التنقيب والاستفادة من ثروته النفطية»، وقد تكون هذه الخطوة مقدمة «لإجبار العدو على العودة الى عملية التفاوض ولو مرغماً، خاصة إذا كانَ الموقف اللبناني موحّداً في هذا الشأن».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا