مرّت تسع ليالٍ على انفجار مرفأ بيروت، مرت على أهالي المفقودين بمثابة سنوات. بدأوا البحث عن مفقوديهم عبر مواقع التواصل. نشروا صوراً وأرقام هواتف بحثاً عن أصغر معلومة. تضاربت المعلومات وسط نكبة العاصمة. تُرك الأهل يبحثون، بمفردهم، في المخافر والمستشفيات. لم يتوفّر مرجع رسمي واحد يمكنه إدارة الأزمة، وجمع المعلومات في موقع أو صفحة، أو تخصيص رقم واحد للتبليغ يقاطع المصادر كافة وينشئ لائحة بأسماء الجرحى والمفقودين والضحايا. خصّص الصليب الأحمر اللبناني مثلاً، رقمين هاتفيين للتبليغ عن المفقودين، كان أحدهما مقفلاً أمس. وخصّصت اللجنة الدولية للصليب الأحمر رقماً للاتصالات تجمع من خلاله المعلومات لإعداد لائحة «غير مكتملة»، لإحالتها إلى الصليب الأحمر اللبناني. بدورها فعّلت وزارة الصحة الخط الساخن 1214 لتلقي المراجعات الطارئة، لكنّ المجيب الإلكتروني يمنحك خيارات الأرقام المتعلّقة بالشكاوى. هكذا وجد المواطنون أنفسهم مشتّتين بين أكثر من مصدر، في بلد لا خليّة واحدة فيه يمكنها إدارة أزمة بهذا الحجم. حتى وصل الأمر بنشطاء مواقع التواصل، إلى إعداد لوائح غير مكتملة بأسماء الضحايا، وصلت إلى 155 ضحيّة. وارتفع العدد لاحقاً إلى أكثر من 170، بحسب وزارة الصحة. أما عدد المفقودين، فوصل الاثنين إلى 21، ليعود ويرتفع مع تصريح وزير الصحة عن أكثر من 30 مفقوداً. إلى جانب المفقودين اللبنانيين، لا تزال جثث من لا عائلات لهم في لبنان ومعظمهم من العمال الأجانب في عداد «مجهولي الهويّة». هكذا، لا توجد حتى اللحظة حصيلة نهائيّة للضحايا، ولا حصيلة «معقولة» للمفقودين. وزارة الصحّة تشير إلى «أن ملف المفقودين في عهدة القوى الأمنيّة». وقوى الأمن التي خصصت ثكنة الحلو لأخذ عينات من الأهالي، تجيب «الأخبار»، بأنّها «معنيّة بجمع العينات من أهالي المفقودين المتقدّمين لفحوص الحمض النووي ومطابقتها». وقد أعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، أمس، في أول بيان بهذا الخصوص، أن «قسم المباحث العلميّة في وحدة الشرطة القضائيّة، استلم مهمّة توثيق عمليّة التعرف على الجثث المجهولة والمفقودين، وقد حضر لغاية تاريخه 32 شخصاً لأخذ عينات الـDNA منهم، وتم التعرف إلى 17 شهيداً». ووفق مصادر «الأخبار»، فإن لدى المباحث العلميّة «أكثر من 10 جثث لم يتمّ التعرف إليها».قصّة أهل المفقودين، لم تنتهِ بالأرقام بعد، لكنها لا تزال جرحاً مفتوحاً للأهالي الذين يعرفون أن مفقوديهم كانوا في مكان الإنفجار، لا سيما لعناصر فوج الإطفاء الذين لم يتمّ العثور على جثثهم. أهالي موظّفي غرفة عمليات إدارة إهراءات القمح، كانوا المثال الأبرز على الأمل المتلاشي مع الوقت، خصوصاً أنه لولا سعيهم لما كانت فرق البحث لتبدأ العمل في المكان الأكثر احتمالاً لوجود ناجين. لا يزال العمل جارياً للبحث عن المفقود الأخير بين النوظفين السبعة، بعدما عثر ليل الثلثاء على جثة لم يتم التعرّف إليها بعد. بين المفقودين غسان حصروتي (59 عاماً) وهو «موظّف في المرفأ منذ 38 سنة، ورث عمله عن جدّي، توارثوا هذا العمل أباً عن جد» وفق ابنه إيلي. قضية غسان شكّلت إلى حينه المثال الأبرز على محاولات الأهل التي وصلت بهم إلى عرض إحضار آلات على نفقتهم الخاصّة. إيلي يقول لـ«الأخبار»، إنه «لا يزال هناك مفقودان من موظّفي الاهراءات السبعة. علمنا أنهم وجدوا جثة بعد منتصف أول من أمس، لم يتم التعرف إليها بعد ولا يزال البحث جارياً عن آخر مفقود».
لدى المباحث العلميّة أكثر من 10 جثث لم يتمّ التعرف إليها

مستهجناً التعاطي اللامبالي وغير الإنساني، يشير إلى «أننا دفعناهم إلى العمل والاستمرار في البحث، المفقودون أهلنا وليسوا أرقاماً، هم موظّفون ولديهم وزارة وصاية هي وزارة الاقتصاد، هل يمكن التخلّي عنهم بهذا الشكل؟ كانوا دروعاً بشريّة قرب المواد المتفجّرة التي تركها الفساد بالقرب منهم، هذا سلوك إرهابي». الأمل لدى أهالي المفقودين في إهراءات القمح تشكّل من «أن المبنى صلب جداً وفيه مخابئ، وكانوا يعملون فيه خلال الحرب ويعرفون كيف يمكنهم الاختباء فيه. أفدنا فجر الأربعاء، بعد ساعات من الإنفجار، أن عمليات البحث ستنطلق، ثمّ قالوا إن لا آليات لديهم، مرت أول 24 ساعة ولم يبدأ العمل حتى صباح الخميس، بعد مرور 40 ساعة!». عند منتصف ليل الخميس «عثر على أول جثة لموظفي الإهراءات... وفوجئنا لاحقاً ببيان عن توقّف البحث عن أحياء وأن الأمل ضئيل. كان ذلك يعني سحب أجهزة الاستشعار والكلاب المدرّبة وبدء العمل بالجرافات! لجأنا يوم الاثنين إلى نقابة المحامين لمراسلة النيابة العامة بعدم بدء العمل بالجرافات، حتى إيجاد آخر مفقود. لو لم نسع ونرفع صوتنا كان العمل بالجرافات بدأ من قبل!».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا