حسن جابر، رجل أعمال لبناني (يملك كسّارة وجرافات وآليات حفر) يعمل في الغابون، «اختُطف» في إثيوبيا يوم الأحد الماضي. حطّ في مطار أديس أبابا، أثناء توجهه إلى لبنان، لكنّه مُنع من الالتحاق بالرحلة الثانية التي ستوصله إلى وجهته النهائية. انتظرت عائلة الرجل حتّى ما بعد ظهر الأحد 8 أيلول، للإبلاغ عن اختفاء جابر، بعد تأكّدها من أنّه لم يستقلّ رحلات أخرى متجهة إلى بيروت. اتصالات على أكثر من صعيد، توزّعت بين لبنان (الأمن العام، وزارة الخارجية والمغتربين، النائبان ياسين جابر وهاني قبيسي) والجهات الرسمية في الغابون (القصر الجمهوري، وزارة الخارجية، سفارة الغابون لدى إثيوبيا). فابن النبطية، كان يُسافر بجوازه الغابوني، لا اللبناني، لذلك تُولي السلطات هناك اهتماماً عالياً بالقضية، مُعتبرةً أنّها تُطالب بمعرفة مصير مواطنها، على ما يقول أفرادٌ في عائلة جابر تحدّثت إليهم «الأخبار». ومنذ الاثنين، يتنقّل المسؤولون الغابونيون المعنيون بين مقرّ وآخر في إثيوبيا، لمتابعة القضية مباشرةً. اطلعوا على كلّ نقاط التفتيش داخل المطار، فلم تُسجّل أي حركة لجابر. وقد طلب المسؤولون الغابونيون موعداً من الأمن العام في إثيوبيا، للمطالبة بالحصول على معلومات عن وضع مواطنها، إلا أنّ الجهود لم تُثمر حتى الساعة.

أربعة أيام مرّت على الحادثة، من دون أن تُقدّم السلطات الإثيوبية معلومات عن حسن جابر. لا أحد يعلم عنه شيئاً. آخر مرّة شوهد فيها، كانت على مدرج المطار في أديس أبابا، حيث كان يُفترض به الصعود إلى الحافلة المُخصصة لركاب الدرجة الأولى، للانتقال إلى الطائرة المُتجهة إلى لبنان. كان يُرافقه ابن عمّته، الشاهد الوحيد على عملية اختطاف جابر، وقد نقل ما رآه إلى العائلة.
على باب الطائرة التابعة لشركة الطيران الإثيوبية، وقف موظف يُدقّق في بطاقات الصعود للرحلة الثانية. انحنى جابر ليبحث عنها في حقيبته، فقال له الموظف أن يقوم بذلك جانباً، إفساحاً في المجال أمام مرور بقية الركّاب. وفي الوقت نفسه، طلب الموظف من ابن عمّة جابر التوجّه نحو الحافلة الصغيرة، مانعاً الأخير من الانضمام إليه. وما إن صعد ابن العمّة في الباص، حتى أٌقفل بابه وانطلق السائق، من دون أن يستجيب لدعوات نسيب جابر إلى التوقف، وانتظار قريبه، الذي اقتيد إلى الحافلة المُخصّصة لركاب الدرجة السياحية. ابن شقيق جابر، كان أيضاً على متن الرحلة نفسها، مع بطاقة سفر للدرجة السياحية، وهو أكّد للعائلة أنّه لم يرَ عمّه في الحافلة، «ما يدفعنا إلى الاعتقاد أنّ الموظف الإثيوبي نقل جابر في الباص وحده، واستُقدِمَت حافلة أخرى للركاب الآخرين»، بحسب العائلة. وهي متأكدة من «امتلاك شركة الطيران معلومات عن مصير جابر، لأنّ الموظف الذي أوقفه يعمل فيها»، كاشفةً عن معلومات «حصلنا عليها من جهات غير رسمية في إثيوبيا، بأنّ أربعة أشخاص كانوا ينتظرون جابر في المطار، من دون تفاصيل عن جنسيتهم أو هوياتهم». هل تعتقدون أن إثيوبيا كانت تُنفذ أمراً أميركياً - إسرائيلياً؟
«نحن نشتبه بدور إسرائيلي»، يقول أفراد العائلة. لماذا؟ يعودون إلى كانون الأول عام 2017، يوم «أوقفت استخبارات تابعة للقصر الجمهوري في الغابون جابر، وأبلغته أنّها تُراقبه وتعرف تحركاته. فردّ عليهم بأنّه مُستعد للتعاون والإجابة عن الأسئلة التي لديهم». كان حسن جابر في تلك الفترة يتوجه إلى جنوب أفريقيا، «لوجود مخطط إنشاء معمل للعصير. وقد قدّم الأوراق اللازمة لتأسيس شركة تجارية، والحصول على إقامة في البلد. إلا أنّه عدل عن الفكرة، مُقرّراً البقاء في الغابون. وقد أبلغ جابر عناصر الاستخبارات بذلك، فأطلقوا سراحه. حسن جابر من النبطية، لديه أصدقاء يؤيدون حزب الله وحركة أمل، ولكن هو لم ينتسب يوماً إلى أي حزب». وتُضيف أنّه لو «كان هناك مشكلة حوله، لما سمحوا له بالسفر إلى لبنان في آذار وأيلول الـ2018، على متن الخطوط الإثيوبية». كلام العائلة ليس وحده «الدليل» على وجود دور إسرائيلي في عملية الخطف. فأمس، نشر موقع «إنتل تايمز» الإسرائيلي (مُقرّب من دوائر استخبارية إسرائيلية، وأسّسه أفراد خدموا في الموساد) مقالاً، بعنوان «توقيف لبناني في إثيوبيا بشبهة التعامل مع حزب الله». ونقلت قناة 13 الإسرائيلية عن «مواقع لبنانية» أنّ عائلة جابر تتهم «الموساد» باختطافه.

نشرت مواقع إسرائيلية أنّ توقيف جابر أتى لتعامله مع حزب الله


مُتابعة القضية في لبنان لا ترقى إلى مستوى الاهتمام الذي تحظى به في الغابون، ولا تتعدّى إطار تكليف وزارة الخارجية والمغتربين، السفير في القاهرة علي الحلبي متابعة الملف. الأخير سفير لبنان غير المقيم في أديس أبابا أيضاً، ولكنّه لم يُقدّم أوراق اعتماده بعد. وبغياب العلاقة الدبلوماسية المباشرة بين لبنان وإثيوبيا، يتواصل الحلبي مع السفارة الإثيوبية في القاهرة للحصول على معلومات عن وضع جابر. لم تتبلغ الخارجية اللبنانية أي معلومات حتى اليوم، وتُشير المصادر إلى أنّ «طبيعة توقيف جابر تؤكد أنّ للعملية طابعاً أمنياً. وعادةً حين يكون هناك تحقيق أمني، يسود التكتم لغاية الانتهاء منه». تؤكد المصادر الدبلوماسية أنّ «الوزارة تحركت فور تبلغها بالخبر»، مُعتبرةً أنّ «هذه إمكانات المتابعة لدينا».
إجراءات «رفع العتب» هذه، والاكتفاء بالمتابعة عبر تبادل الرسائل الدبلوماسية، يُعيدان النقاش إلى الواجهة عن الدور الواجب أن تؤديه الدولة لحماية مواطنيها. اقتراحات عدّة قُدِّمَت في مراحل سابقة، لضمان حقوق اللبنانيين في الخارج، كإصدار تحذيرات من استخدام خطوط جوية مُعينة، أو المرور في بلدان تُقدّم خدمات أمنية للولايات المتحدة و«إسرائيل»، وعقد اتفاقيات أمنية مع بلدان عدّة لحماية اللبنانيين، والاستفادة من مؤتمرات الطاقة الاغترابية لتشكيل شبكة ضغط تحمي اللبنانيين، عوض أن تكون فقط لتقريب رجال الأعمال بعضهم من بعض. إلا أنّ كلّ هذه الاقتراحات لم تلقَ آذاناً صاغية، بما يوحي بوجود تنصّل من المسؤولية.