انتهت المهل المعطاة للمقالع والكسارات المخالفة. وكما في كل جولة، لم (ولن) يحصل شيء، فيما سيطرح هذا الملف اليوم في اجتماع للجنة الوزارية للمقالع والكسارات برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري. صحيح أن وزير البيئة فادي جريصاتي، استبق الاجتماع بمؤتمر صحافي، ليؤكّد أنه لا يريد تمديد المهل... إلا أن الكل يعرف أن قرارات التمديد يصدرها مجلس الوزراء، لا الوزير نفسه.هي «الحكاية» نفسها تتكرر منذ نحو ربع قرن، عندما أُسند إلى وزارة البيئة (عام 1993) تحديد الشروط البيئية الواجب توافرها في طلبات الترخيص لاستثمار المقالع بموجب المرسوم 5591 (عام 1994) وتعديلاته بالمرسوم 5616 (العام نفسه)، والذي لم يطبق حتى صدور المرسوم 8803 (عام 2002)… مذذاك، لا تزال المهل الإدارية غير القانونية هي السائدة! وبقي هذا القطاع يعمل، في مجمله، من دون ضوابط وبشكل مخالف لأبسط القواعد، منتهكاً الطبيعة وحارماً الخزينة عائدات ضخمة تذهب إلى المتنفّعين.
الأرجح أنه لن يكون من خيار أمام اللجنة، في اجتماعها اليوم، إلا تمديد المهل مرة جديدة، كـ«أمر واقع»، كما يقول من يسعون إلى هذه النتيجة دائماً. حجة «الأمر الواقع»، كما في كل مرة، تنطلق من فرضية أن غالبية العاملين في هذا القطاع خارج النظام، وليسوا مكترثين بالمهل التي أعطيت لهم للانتقال إلى الأماكن التي يحددها المخطط التوجيهي. والأهم، أنهم يعرفون سلفاً أنهم سيمنحون مهلاً جديدة، بذريعة «الحؤول دون توقف الأعمال في البلد»، كما يحصل في كل مرة!
أمام هذا السيناريو المملّ، والمكرر مئات المرات مع الحكومات المتعاقبة، يبقى السؤال: هل تحضر وزارة البيئة شيئاً ما لخرق هذا الستاتيكو القاتل؟ وهل الظروف ملائمة، هذه المرة، لتغيير وإصلاح حقيقيين في هذا الملف؟ وهل يمكن الوزير الجديد الذي تعثّر في إدارة ملفي الصيد البري والنفايات (استراتيجياً ومرحلياً)، حتى الآن، أن ينجح في موضوع تنظيم المقالع والكسارات؟
في الورقة التي قدّمها جريصاتي إلى الحكومة، في آذار الماضي، تحت عنوان «السياسة المتكاملة لقطاع محافر الرمل والأتربة والمقالع والكسارات»، هناك مؤشرات على تقدم ما في مقاربة الوزارة لهذا الملف، كاقتراح فتح باب الاستيراد ومقاضاة المخالفين، واقتراح قانون لضبط الجهة التي تمنح التراخيص بين الداخلية والمحافظين والمجلس الوطني للمقالع ووزير البيئة، ووقف بدع ما يسمى «البحص المفتت طبيعياً» والموزاييك والرمل الصناعي، وهي كلها طرق للاحتيال على القوانين والعمل خارج المخطط التوجيهي.
يمكن اعتبار طرح ورقة السياسات بمثابة «اعتراف»، للمرة الأولى في هذه الوزارة، بضرورة أن تكون هناك استراتيجية تحدد ماذا يريد لبنان من هذا القطاع وتحديد حاجاته الحقيقية وكيفية تأمينها، والمفاضلة بين حسن التنظيم أو الاستيراد… إضافة إلى مراجعة السياسات والمشاريع التي تتطلب الكثير من المقالع ومواد البناء من دون أن تكون ضرورية، كأعمال ردم البحر، وإنشاء سدود، وإنشاء بنى تحتية مضخّمة خدمة لتجار السيارات... إلخ.
ولكن يفترض بوزير البيئة، بالتوازي مع الاهتمام الاستراتيجي والقانوني، أن يعد العدة لمقاضاة المرتكبين المخالفين للمراسيم المرعية الإجراء. وكاختبار للشفافية في مقاربة هذا الملف، يفترض أيضاً الادعاء على أي وزير ثبت ضلوعه في إعطاء تراخيص أو تجديد تراخيص من دون التدقيق في الملفات ومراجعة المخالفات كما تقتضي الأنظمة.
وفي انتظار بلورة الإطار القانوني لمسيرة هذا القطاع، لن تنفع هذه المرة حجة التهويل بضرورة تجديد المهل الإدارية، بحجة تزويد السوق بالمواد الأولية، لكون أعمال البناء تراجعت إلى النصف في الفترة الأخيرة، كذلك فإن تقديرات الستوكات لدى مستثمري هذا القطاع لا تقلّ عن عشرة ملايين متر مكعب، تكفي حاجة الأسواق سنة واحدة بالحد الأدنى، لا ستة أشهر كما ذكر وزير البيئة. وبالتالي لا داعي للخوف من ارتفاع الأسعار، ورفع هذه الذريعة في كل مرة يحاول أحد ما تنظيم هذا القطاع.
وعلى المنوال نفسه، المتوقع أن تكون مشاريع «سيدر» البند الرقم واحد على جدول أعمال اللجنة الوزارية للمقالع والكسارات ومجلس الوزراء لتبرير تمديد المهل وخرق القانون. وهذه الحجة هي الأكثر وهناً، لكون المشاريع الجديدة تحتاج إلى مقالع صخور (لا إلى البحص فقط)، تكون قريبة من المشاريع الساحلية بمعظمها، لصعوبة نقل هذه الصخور من السلسلة الشرقية. وهذا ما سيفتح جدلاً جديداً في مدى إلحاحية هذه المشاريع. وهذا ما سيؤخر، بالطبع، تنظيم هذا القطاع من جديد! مع العلم أن كل الأرقام والخسائر التي يحكى عنها، بالمليارات، جراء عدم تنظيم هذا القطاع، لن تكون دقيقة، طالما انطلقت من فرضية التهرب من الرسوم فقط، ولم تحتسب الخسائر الأبدية في الطبيعة في كثير من المواقع التي لم تعد قابلة للإصلاح ولا للتأهيل... ولا للتغير بالطبع.