تسمية «الدعم» لا تعكس حقيقة استخدامات المبالغ المدفوعة من الدولة في هذا المجال. نظرياً، هو مبلغ يُدفع من المال العام خدمة للمصلحة العامة، سواء كانت هذه المصلحة لدعم شريحة فقيرة، أو لتحديد أهداف اقتصادية. في الواقع، لا يصل الدعم كلّه إلى مستحقيه، أو إلى الفئات التي اتُّخذت كمبرّر لإقراره، بحسب رئيس حركة «مواطنون ومواطنات» شربل نحاس. «المشكلة أن هذه الفئات هي الأقل استفادة من الدعم، وأن بعض أنواع الدعم في لبنان ترتّب أعباء وأكلافاً على فئات أخرى». على سبيل المثال، «هناك كهرباء مدعومة لبيروت بشكل كامل. حصتها أكبر من غيرها من المناطق التي تحصل على دعم جزئي للكهرباء. المستفيدون من دعم بيروت هم الشركات الكبرى والفنادق وأصحاب المنازل الفخمة… نتيجة الدعم في هذا المجال هي بعكس ما يزعم».ومن اللافت أن يكون المستفيد الفعلي من دعم القروض السكنية هم أصحاب الأراضي وتجار العقارات. الدعم هنا يؤدي إلى رفع الأسعار أو إبقائها في مستويات مرتفعة. لولا الدعم لما تمكّن عدد كبير من المقترضين من شراء الشقق، ولما تمكن عدد كبير من تجار العقارات من إنشاء أبنية على أراض اشتروها. لولا الدعم لما كانت أسعار العقارات غير المبنية والمبنية في هذا المستوى المرتفع. «في حال وقف الدعم ستنخفض الأسعار» وفق نحاس.
عموماً، يصب دعم القروض بشكل أساس في أرباح المصارف. أبرز دليل على ذلك، أنه عند الحاجة، قرّر مصرف لبنان أن ينفذ هندسات مالية لدعم أرباح المصارف لتمكينها من تغطية الخسائر ومن تلبية متطلبات ومعايير المحاسبة الدولية. لماذا لا يفرض عليها أن تغطي هذه الأمور من أرباحها الكبيرة البالغة 2.4 مليار دولار في السنة الماضية. «في الواقع، ما يُدفع لأصحاب الودائع الكبيرة من فوائد باهظة هو أكبر بكثير مما يُدفع على دعم القمح والشمندر السكري والخبز وغيرها من السلع والخدمات المدعومة. هذه الفوائد مموّلة من المال العام. هي عبارة «عن دعم غير معلن» كما يقول نحاس.
يرى نحاس، أن هناك تغييباً لواقع أن الدعم مموّل من المال العام، أي إنه مموّل من أموال دافعي الضرائب. والأسوأ، أن بعض أنواع الدعم الموجودة في لبنان، ليس لها مبرّر فعلي اقتصادي أو اجتماعي. ففي غالب الأحيان يصبّ الدعم في جيوب غير المعوزين وفي أرباح الشركات الكبيرة ورجال الأعمال، سواء بسبب غياب الرقابة أو لأنه ليس مربوطاً بأهداف محدّدة. فعلى سبيل المثال، هناك دعم لحماية الإنتاج المحلي ولتشجيع الصادرات، لكن هذا الدعم يكاد يكون عبثياً في ظل عدم تحديد فترة زمنية لتمكين المؤسسات المدعومة من تحقيق قيمة مضافة أكبر وقدرة تنافسية أعلى. لا يمكن استمرار الدعم إلى الأبد.
هناك تغييب لواقع أن الدعم مموّل من المال العام، أي إنه مموّل من أموال دافعي الضرائب


وفي هاتين الحالتين، أي دعم التصدير والإنتاج المحلي، فإن من يدفع الثمن هو المستهلك. هناك نوعان من دعم الإنتاج: منح مباشرة للمنتجين غير مربوطة بأي هدف ولا بمدة زمنية واضحة، أو رفع الرسوم الجمركية على السلع المماثلة لمنعها من الدخول إلى لبنان بأسعار أقل وكبح منافستها للسلع المنتجة محلياً. المستهلك هو من يدفع فاتورة هذا النوع من الدعم. يحب أن يكون الدعم وسيلة طبيعية لزيادة القدرات والتطوير وليس بشكل عبثي أو تنفيعات لمجموعات محلية تستخدم سياسياً.
لا شك بأن تجربة الدعم في الدول العربية مختلفة كلياً عن الدعم الذي أقرته بعض دول جنوب شرق آسيا. في الدول العربية، مثل لبنان ومصر وغيرهما، استُخدم الدعم لتوزيع المنافع، فيما في كوريا وسنغافورة وغيرهما، استُخدم الدعم لتحقيق غايات اقتصادية محدّدة. كوريا تنتج واحدة من أبرز ماركات السيارات، على سبيل المثال.
يعتقد نحاس أن «أي دعم يجب أن يُبنى على عناصر معينة: أن يكون معلناً، أن يكون خاضعاً للرقابة، أن يكون لغاية واضحة، أن لا تكون أعباؤه وكلفته محمّلة لشرائح مجتمعية غير قادرة على تحمّلها».