سقوط «دروس» حرب لبنان الثانية في امتحان غزّة

يحيى دبوق
يُعدّ عدوان إسرائيل على قطاع غزة، التجربة العسكرية الأولى التي يخوضها الجيش الإسرائيلي، بعد أكثر من عامين ونصف على حرب تموز 2006، الموصوفة بالفشل، والتي تضمّنت جملة من «الإخفاقات» العسكرية البيّنة، جرى إقرارها في خلاصات أكثر من أربعين لجنة تحقيق عسكرية، قامت بفحص أداء الجيش الإسرائيلي ومجالات فشله.
في أعقاب تغيير القادة الأمنيين، ممن قادوا فشل 2006، وعد عسكر إسرائيل، بدءاً من وزير الدفاع إيهود باراك مروراً بغابي أشكنازي، وصولاً إلى كل مصدر أمني أو عسكري إسرائيلي تحدث عن «دروس حرب لبنان الثانية»، بأن «إسرائيل ستحسم (حروبها) بصورة سريعة، وصارمة، وعلى أرض العدو»، بل إن باراك شدد أنه «خلافاً للأداء عام 2006، فإن الجيش (الإسرائيلي) سينجز مهامه الموكلة إليه، حتى لو سقط في صفوفه قتلى وبأعداد كبيرة».
انتظر أعداء إسرائيل، ومريدوها على حدّ سواء، أن تعمد في عدوانها على قطاع غزة إلى محاولة تنفيذ الوعد، إلا أن مسارات العدوان وتردد الجيش الإسرائيلي وتردد القادة الإسرائيليين عموماً، أثبتت نقيض ذلك. إذ حاولت الطائرات الإسرائيلية، في غارات اليوم الأول، إنهاء المعركة بضربة جوية مباغتة، وبالتالي كررت إسرائيل الرهان على قدرة حسم الحروب من خلال مهاجمة قائمة أهداف بالنيران عن بعد، وهو ما ثبت فشله في حرب تموز 2006.
ترددت إسرائيل أياماً بعد انتهاء المرحلة الجوية وثبوث فشلها في تحقيق أهدافها (إسقاط حماس)، قبل انجرارها إلى «الحرب البرية»، أي إلى إعادة العمل بما يصطلح عليه عسكرياً بتسمية «المناورة البرية»، التي تعتبر ثمرة «دروس وعبر حرب لبنان الثانية»، إلا أن الخوف والخشية من وقوع إصابات في صفوف الجيش الإسرائيلي، وهو الهاجس الذي ثبت أنه قابض على مبلوري القرار العسكري والسياسي في إسرائيل، دفع بالدولة العبرية إلى تقطيع «المرحلة البرية» مراحل وأجزاء، والغاية هي إبعاد ألوية «النخبة» الإسرائيلية عن الاحتكاك والتصادم مع الفلسطينيين، وعدم تمكين هؤلاء من إيقاع إصابات في صفوفها، علماً بأن ألوية النخبة هي الألوية ذاتها التي واصلت إسرائيل بثّ رسائل وإشارات طوال العامين والنصف الماضية، بأنها تتسلح وتتدرب وتناور لخوض مواجهات مماثلة، «وعلى أكثر من جبهة».
أنجزت إسرائيل في المرحلة الثانية من عدوانها كل ما يمكن أن تنجزه براً من دون مواجهة مع الفلسطينيين: احتلال معظم المناطق غير المبنية والبعيدة عن المدن والمخيمات، ومواصلة القصف بالنيران عن بعد.
ألزم الصمود الفلسطيني إسرائيلَ بأن تختار بين الدخول البري الحقيقي، الذي يعني امتحاناً لقدراتها العسكرية من خلال خوض مواجهات في الأماكن المبنية مع الفلسطينيين، حيث تَعد إسرائيل نفسها بمعارك حقيقية وسقوط مئات الإصابات في صفوفها، أو التراجع والاكتفاء بشمّاعة «الردع المرمّم» و«الواقع الأمني الأفضل في جنوب إسرائيل»، بمعنى الهرب من المواجهة ومن سقوط إصابات والامتناع عن اختبار القدرات العسكرية الفلسطينية. اختارت إسرائيل المنحى الثاني، وأعلنت وقفاً لإطلاق النار من جانب واحد دون فرض شروطها على الفلسطينيين، وبالتالي أثبتت أن «دروس حرب لبنان الثانية» لم تكن ذات صلة حقيقية لجهة تأثيرها على التفكير والخطط العسكرية الإسرائيلية، ودفعها لاتخاذ قرارات «فعل إيجابية».ينظر أعداء إسرائيل إلى عدوانها على غزة بعيون مراقبة، ولا ريب أنهم شاهدوا الآتي:
- تعيد إسرائيل وتكرر وقوعها في أخطائها الموصوفة (الاعتماد على النيران عن بعد).
- تجري عملية تفعيل الجيش الإسرائيلي بناءً على هاجس عدم وقوع إصابات (الهرب من المواجهة المباشرة).
- ما زالت إسرائيل فاقدة لشجاعة القرار على المستوى السياسي (تردد المسؤولين الإسرائيليين وتقطيع المرحلة البرية إلى أن سقطت).
- لم تعزّز عمليات التدريب والتجهيز وتنفيذ المناورات مفهوم التضحية لدى الجندي الإسرائيلي، وهو ميزان القدرة الحقيقية في أنواع الحروب التي تخوضها، وقد تخوضها، إسرائيل.

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي