مهمة جمع رفات القتلى التي أعطيت إلى جمعية «زاكا»، جعلت من رؤسائها هدفاً لوسائل الإعلام من أجل الحصول على أكبر قدر من المعلومات عما شاهدوه أثناء جمعهم الجثث. ومن بين هؤلاء، رئيس العمليات للمنطقة الجنوبية في «زاكا»، يوسي لانداو. بعد وقت قصير من عملية «طوفان الأقصى»، وصل لانداو إلى نادي الصحافة في القدس المحتلّة، وتحدث عن عثورهم على «امرأة حامل في كيبوتس بئيري غارقة في بركة كبيرة من الدماء ووجهها إلى الأسفل». وأضاف: «لقد بُقر بطنها وطعن الطفل الذي كانت حاملاً به». وقال إنه وجد في بئيري أيضاً «عائلة تعرّضت للتعذيب قبل أن تعدم بالرصاص. كانت العيون مفقودة، والأصابع مقطوعة». بعدها بساعات، ظهر لانداو على قناة «سي أن أن»، وكرّر هذه الأكاذيب، مضيفاً المزيد من الفظائع المزعومة التي شاهدها، لينهار بعدها على الهواء. أفراد الجمعية كانوا مسؤولين أيضاً عن كذبة الـ40 رضيعاً مقطوعي الرأس وكذبة تعرض النساء للعنف الجنسي. وبعد أشهر، ادعى مصدر آخر في الجمعية أنه عثر على خمس نساء ميتات قُيّدن عاريات إلى الأشجار في المنطقة التي أقيم فيها المهرجان الموسيقي في شمال غرب صحراء النقب وأن أعضاءهن التناسلية قد شُوهت جميعها.

ستيوارت سيلدوويتز الذي تفوّه بكلام عنصري ضد بائع عربة طعام في نيويورك هو عضو مجلس إدارة في جمعية «زاكا»

بعد خروج تلك الأكاذيب وانتشارها في العالم كله، بدأ الإعلام العبري، وخصوصاً صحيفة «هآرتس»، التدقيق فيها. كشفت التحقيقات التي أجرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية، عن تناقضات في روايات يوسي لانداو، ما ألقى بظلال من الشك على صحّة الأحداث التي وصفها. وخلصت صحيفة «هآرتس» إلى أنّ لا دليل على قصة ذبح الامرأة الحامل في كيبوتس بئيري، حتى إنّ الكيبوتس نفى وقوع الحادث، وقالت «الشرطة» إنّ لا سجلّ لديها بالقضية والمشرحة لم تصلها جثة بهذه المواصفات. أما بالنسبة إلى العائلة «المعذّبة»، فلا أحد قُتل في بئيري يطابق رواية لانداو. وكان الأخ والأخت الوحيدان اللذان لقيا حتفهما في الكيبوتس كعائلة واحدة هما توأمان يبلغان 12 عاماً، قُتلا عندما أمر جنرال إسرائيلي دبابة بإطلاق النار على منزل كان مقاتلو «حماس» يتواجدون فيه، وفقاً لتقرير نشره موقع «ذي إنترسبت» في 27 شباط (فبراير) الماضي. الأمر نفسه مع مزاعم الاعتداء الجنسي وكذبة الـ40 رضيعاً. وعندما سألت صحيفة «هآرتس» جمعية «زاكا» عن أدلة داعمة لروايات المتطوعين الذين عاينوا مستوطنات غلاف غزة، أجابت الجمعية: «إنّ المتطوعين ليسوا خبراء في علم الأمراض وليس لديهم الأدوات المهنية للتعرف إلى هوية القتيل وعمره، أو الإعلان عن كيفية مقتله، باستثناء شهادة شهود العيان».
أفراد الجمعية كانوا مسؤولين عن كذبة الـ40 رضيعاً مقطوعي الرأس وتعرّض النساء للاغتصاب


فضحت البرامج الإخبارية التلفزيونية الإسرائيلية، عدداً من الأكاذيب عن الأطفال الموتى، ووصفتها بأنها «خيالية». ووفقاً لصحيفة «هآرتس»، همّش كبار القادة الصهاينة العسكريين الجنود المتخصصين في انتشال الجثث والحفاظ على الأدلة، وأرسلوا بدلاً منهم متطوعين من «زاكا» غير مدربين بدلاً من ذلك، ما يعني أن جهات عسكرية وسياسية خططت لهذا الأمر. وصار متطوعو «زاكا» مرتبطين بالتقارير الإعلامية حول هجمات 7 أكتوبر. نقلت عنهم «رويترز»، و«سي إن إن»، و«نيويورك تايمز»، و«بي بي سي»، و«غارديان»، و«إن بي سي نيوز»، و«بوليتيكو»، و«وول ستريت جورنال»، و«واشنطن بوست» والعديد من وسائل الإعلام الأخرى. وفي مقابلة مع الموقع الإخباري الإسرائيلي Ynet نُشرت في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي باللغة العبرية، أوضح إيتان شوارتز، المستشار في مديرية الإعلام التابعة لرئيس وزراء العدو، وهي مكتب للديبلوماسية العامة، كيف أثر متطوعو «زاكا» على التغطية الإخبارية. وقال شوارتز: «كان لشهادات متطوعي «زاكا»، كأوائل المستجيبين على الأرض، تأثير حاسم في فضح الفظائع في الجنوب للصحافيين الأجانب الذين يغطّون الحرب. لقد كانت «دولة إسرائيل» بأكملها منخرطة في صياغة الرواية القائلة بأن «حماس» تساوي «داعش» وفي تعميق شرعية الدولة للردّ بقوة كبيرة». وتابع: «شهادات «زكا» أحدثت حالة من الرعب وكشفت للصحافيين عن نوع الوحوش البشرية التي نتحدث عنها». هذه الفبركات هي ما وصل إلى العالم والجمهور الغربي مباشرةً بعد عملية «طوفان الأقصى». أكاذيب أُريد منها ابتزاز عواطف الناس والتمهيد لحرب تُبيد الفلسطينيين وتهجّرهم من كل القطاع. قصص مشغولة بطريقة تنزع الإنسانية عن الشعب الفلسطيني كله، وقد لعبت دوراً فعّالاً في تشكيل الرأي العام العالمي وتصوير «حماس» على أنها داعش في بداية الأمر، بما يتماشى مع رواية «إسرائيل» لتبرير حربها الاستعمارية الوحشية.

(رحمة ـــ تركيا)

من يدخل إلى موقع «زاكا» الإلكتروني، يجد أن الجمعية التي تقدم نفسها على أنها مهتمة بإنقاذ الناس ومساعدتهم عبر متطوعيها، تطلب من الناس أيضاً التبرع لها. ساعد تصوير «زاكا» الإيجابي في وسائل الإعلام على تعزيز صورتها وسهّل جهود جمع التبرعات لها. في أعلى يمين الموقع الإلكتروني، تقول «زاكا» إن من يتبرع بألف دولار يحصل على ميدالية «السيوف الحديديّة»، وهو اسم العملية العسكرية الوحشية الإسرائيلية في غزة. واللافت أيضاً في موقع الجمعية الإلكتروني، وهو ما اكتشفه شعب الإنترنت في الأيام الماضية ونشره على منصة X، بأن ستيوارت سيلدوويتز، الرجل الذي تفوّه بكلام عنصري مهين ومعاد للفلسطينيين والإسلام ضد بائع عربة طعام في نيويورك في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ليس فقط مسؤولاً سابقاً في مجلس الأمن القومي أيام إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، بل هو أيضاً عضو مجلس إدارة في جمعية «زاكا». والجدير ذكره أنه بعد حادثة العربة التي عدّت جريمة كراهية، توصّل ستيوارت سيلدوويتز إلى اتفاق حيث أقرّ بالذنب وسمح بإسقاط التهم عنه طالما أنه يحضر برنامجاً تدريبياً لمكافحة التحيّز لمدة 26 أسبوعاً ويتجنب الاعتقالات أو التفاعل مع الضحايا، وفقاً لمكتب المدعي العام لمنطقة مانهاتن.
ساعدت الجمعية في صياغة الرواية القائلة بأنّ «حماس» تساوي «داعش» لشرعنة الإبادة


فساد الجمعية لا ينتهي هنا. إذ واجهت «زاكا» خلافات وفضائح مالية، نُشرت تقارير في الإعلام العبري حول سوء الإدارة المالية، واتهامات بالاعتداء الجنسي داخل المنظمة. لكن رغم ذلك كله، لم يأت الإعلام الأميركي على ذكر أي شيء عن تاريخ «زاكا» المُظلم. حتى عندما نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» بورتريهاً عن «زاكا» في الـ15 من كانون الثاني (يناير) من العام الحالي، كان عبارة عن تبرئة للجمعية من الشبهات حولها، ولم يتطرق إلى مشكلات «زاكا» الغارقة في الاعتداءات الجنسية والفضائح المالية لعقود من الزمن.
في 11 آذار (مارس) من عام 2021، نشرت صحيفة «هآرتس» اتهامات ضد المؤسس المشارك لمنظمة «زاكا»، ميشي زهاف، قدمها رجال ونساء، وكان بعضهم قاصرين وقت وقوع الأحداث المزعومة. وفي 14 آذار من العام نفسه، نشر موقع «تايمز أوف إسرائيل» تقارير إضافية عن اتهامات متعددة بالاعتداء الجنسي ضد يهودا ميشي زهاف، وتشمل الادعاءات الاعتداء الجنسي والاغتصاب والإساءة من قبل رجال ونساء، وكان بعضهم قاصرين في ذلك الوقت. وأعلن ميشي زهاف انسحابه موقتاً من منصبه وتنازله عن جائزة «إسرائيل» التي كان من المقرر أن يحصل عليها في حينه. وشارك عدد من الأفراد روايات عن سوء سلوكه، ما أشار إلى نمط من الانتهاكات ظلت مخفية. ورغم هذه الاكتشافات، لم يتم تقديم أي شكاوى رسمية إلى الشرطة في حينه. إضافة إلى ذلك، ظهرت حالات سابقة من الفضائح المالية داخل «زاكا» تورط فيها ميشي زهاف. وبعد كشف ذلك في الإعلام، حاول زهاف (62 عاماً) الانتحار بعدما تبين أنه استغل مكانته وسلطته في المجتمع الأرثوذكسي المتطرف للاعتداء على المراهقين والأطفال الأصغر سناً. إلا أنه توفي في عام 2022 بعدما تدهورت صحته. وخلفه دوبي فايسينشترن، الرئيس التنفيذي الحالي لمنظمة «زاكا».