هكذا، تحوّلت باحة المبنى والمساحات الترابية فيه إلى مقبرة، على غرار ما حصل في مستشفيات «كمال عدوان» و«الشفاء» و«الإندونيسي» في شمال وادي غزة. وأمام الضغط الذي قام به مفوّضو الجهات الدولية - وعلى رأسها «أونروا» و«الصليب الأحمر» - التي تقيم في المكان، أعربت الخارجية الأميركية عن قلقها من استهداف المركز، ثم سُمِح في مساء الأربعاء، لسيارات الإسعاف بالوصول إليه، وإجلاء المئات من المصابين منه إلى مستشفى «أبو يوسف النجار» في رفح. لكن جيش العدو، عاد وهدّد، مجدداً، بقصف كل مراكز الإيواء في منطقة المواصي، بما فيها مباني «الصناعة»، لتبدأ عقب ذلك حركة نزوح جديدة إلى مدينة رفح التي باتت تزدحم بنحو مليون نازح.
الطريق من منطقة المواصي غربي خانيونيس إلى محافظة رفح لم تكن آمنة أيضاً
على أن الطريق من المواصي غربي خانيونيس إلى رفح، لم تكن آمنة أيضاً، إذ تداول نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد لحالة الهلع التي تسبب بها إطلاق طائرات «الكواد كابتر» الرصاص بشكل مباشر باتجاه النازحين. وتقول رشا جميل، في شهادتها إلى «الأخبار»: «خرج 70 ألفاً من النازحين ومعهم ما استطاعوا حمله من أغطية ومواد تموينية، مشياً على الأقدام، في اتجاه مدينة رفح. عشرات الأطفال تاهوا عن ذويهم، فيما اضطر المئات من الرجال إلى حمل المسنّين على ظهورهم».
وفي محافظة رفح، أقصى جنوب قطاع غزة، اضطرّ الآلاف من الأسر إلى افتراش الأرض، حيث تضيق مراكز الإيواء بسكانها، ولم تعد العمارات السكنية التي استقبلت النازحين خلال أشهر الحرب الماضية، قادرة على استيعاب المزيد من هؤلاء. ويقول نبيل حسين، وهو نازح من حيّ تل الزعتر شمال غزة، في حديثه إلى «الأخبار»: «خرجنا من "الصناعة" بحثاً عن أقرباء لنا كانوا قد نزحوا قبلنا إلى رفح. جُبنا شوارع المحافظة التي لم ندخلها سوى مرات معدودة طوال حياتنا. وبعد رحلة بحث استمرت عدة ساعات، عثرنا عليهم، لكنهم عجزوا عن توفير أي شيء نحتاج إليه». ويضيف: «جلسنا - نحن العائلات الخمس - ممدّدين على باب المنزل الذي يسكنون فيه، ثم وفروا لنا بعض الأغطية، ومنها نصبنا خيمة جديدة، وها نحن نقيم فيها، من دون أغطية ولا طعام، ولا حتى شربة ماء. لا نمتلك تصوراً ولا مخططاً عمّا سنفعله إذا اضطررنا حتى للذهاب إلى الحمام لقضاء الحاجة».