في يوم الخميس 18 أيار 2023، وهو اليوم السابق لانعقاد قمة «مجموعة السبع» في مدينة هيروشيما باليابان، انعقدت قمّة ترأّسها الرئيس الصيني شي جين بينغ في مدينة اكسيان وسط الصين، ضمّت خمسة رؤساء لدول من منطقة آسيا الوسطى، هي: كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان.الدول الخمس، مع الصين، تشكّل منطقة اقتصادية-جغراسياسية ما زالت في طور التكوين، وهي تمتدّ من بحر قزوين إلى السواحل الصينية على المحيط الهادئ-الباسفيك، يشكّل قلبها أنبوب غاز من تركمانستان وأوزبكستان وكازاخستان باتجاه الصين، بطاقة سنوية تبلغ 55 مليار متر مكعب. والدول الثلاث التي تورّد الغاز عبر هذا الأنبوب إلى الصين هي من كبار المنتجين لهذا المنافس الطاقوي الجديد للنفط، مع سكك حديد وأتوتوسترادات تربط الدول الخمس بالصين في إطار مشروع «خط الحرير»، إذ تشكّل هذه المنطقة الأوراسية، عبر روسيا، القناة البرية الرئيسية، مع خط أفغانستان-إيران-تركيا، التي ستصل الصين بالقارة الأوروبية، ومع استثمارات صينية بلغت 15مليار دولار عام 2023 تضاف إلى مشاريع صينية منجزة بها تبلغ 63 مليار دولار. والصين لها تبادل تجاري مع الدول الخمس بمبلغ 70 مليار دولار عام 2022، وهي الشريك التجاري الأول لقرغيزستان وتركمانستان وأوزبكستان، والثاني لكازاخستان، والثالث لطاجيكستان، وهناك نظام فيزا حرة بين الصين وكازاخستان وأوزبكستان، واتفاقية أمنية صينية مع طاجيكستان ومساعدات أمنية صينية لقرغيزستان.
يلفت النظر توقيت القمّة «الصينية»، والتي لا يمكن قراءتها إلا أنها في مواجهة قمّة «مجموعة السبع» (الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا واليابان)، التي تمثّل تحالفاً بين حلف «الأطلسي» واليابان، برزت ملامحه في عالم ما بعد 24 شباط 2022 مع اندلاع الحرب الأوكرانية في مواجهة تحالف صيني-روسي تبلور في الحرب الأوكرانية وعلى نيرانها. وهو ما تُرجم في امتداد التوتر والصراع العالمي بين الحلفين إلى مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي. ثم انضمت إيران إلى الحلف الصيني-الروسي مع فشل مفاوضات فيينا الخريف الماضي مع الأميركيين من أجل إحياء اتفاق 2015 حول البرنامج النووي.
ولكن، أكثر ما يلفت النظر هو انفراد الصين في قمّة مع دول، كانت جزءاً من دولة الاتحاد السوفياتي حتى تفككه عام 1991، ودول هي في منطقة كانت «حديقة خلفيّة» للروس منذ زمن القياصرة، وغياب روسيا عن هذا اللقاء، الذي لا يمكن فقط عزوه إلى حجم العلاقات الاقتصادية والتجارية الأكبر للصين مع الدول الخمس بالقياس للروس، وإنما يجب قراءته بأن الطرف الأقوى في التحالف الصيني-الروسي هو الصين، بخلاف تحالف موسكو-بكين في فترة 1949-1960 عندما كان ستالين وخروتشوف أقوى من ماو تسي تونغ. حيث إن القوة الاقتصادية للصين هي الآن بما يفوق عشرة أمثال القوة الاقتصادية الروسية، وروسيا الآن غارقة في الوحل الأوكراني بعد 15 شهراً من الحرب هناك، والتي تحولت إلى حرب أطلسية بأدوات أوكرانية ضد روسيا. وبالتالي، فإنّ روسيا بحاجة إلى الصين أكبر من حاجة الصينيين إلى الروس. وهو على الأرجح ما يفسّر الصمت الروسي المكتوم، ولكن بالتأكيد الحانق وغير الراضي عن هذه الحركة الصينية في آسيا الوسطى، والتي أتت عبر استغلال للحظة ضعف تعيشها موسكو المنشغلة في الغرب الأوكراني.
أكثر ما يلفت النظر هو انفراد الصين في قمّة مع دول، كانت جزءاً من دولة الاتحاد السوفياتي حتى تفككه عام 1991


من المفيد هنا العودة إلى الوراء، حيث منذ زمن أوباما وهناك تركيز أميركي على اعتبار الصين هي الخطر الرئيسي على وضعية القطب الواحد الأميركي للعالم، وليس روسيا، بل كانت هناك استراتيجية أميركية اتّبعها أوباما، وقبله بوش الأب وكلينتون وبوش الابن، من أجل استمالة موسكو ضد بكين في عالم ما بعد انتهاء الحرب الباردة 1947-1989، بانتصار البيت الأبيض على الكرملين تماماً كما فعلت واشنطن في فترة السبعينيات والثمانينيات لاستمالة بكين ضد موسكو منذ زيارة هنري كيسنجر للصين عام 1971 مستغلة الخلاف الصيني-السوفياتي البادئ عام 1960، ولم تضع واشنطن بكين وموسكو في سلة العدو المشترك إلا منذ وثيقة «الأمن القومي» الأميركية الصادرة في الشهر الأخير من عام2017. ومن الواضح أن الصين هي الخطر الأكبر في نظر الأميركيين وليس روسيا، وهذا قد وضح في البيان الصادر عن قمّة حلف «الأطلسي» المنعقدة بمدريد في نهاية شهر حزيران 2022 وفي قمّة هيروشيما الأخيرة لـ«مجموعة السبع»، وربما التشدّد الأميركي ضد الروس في أوكرانيا وبذل الجهد الكبير من أجل هزيمتهم أو وضعهم بوضعية انسداد ومأزق عسكري هما من أجل توجيه «رسائل أميركية» للصين عبر البريد الأوكراني من أجل منع الصينيين من أن يفكروا في محاولة عسكرية في تايوان شبيهة بما فعله الروس في أوكرانيا يوم 24 شباط 2022.
ولكن، يجب قراءة حركة شي جين بينغ في القمة السداسية على أنها محاولة للتمدّد الصيني نحو الشمال والشمال الغربي في منطقة فراغ للقوة حاولت واشنطن أن تقوم بملئه بعد انهيار الدولة السوفياتية وفشلت، ثم حاولت موسكو بعد الاستيقاظ الروسي منذ عام 2008 أن تعيد إلى هناك قوتها السابقة زمن القياصرة والسوفيات ويبدو أنها أيضاً لم تنجح مثل الأميركيين. هذه الحركة الصينية مع دول الجوار (لكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان حدود مع الصين) ومعها أوزبكستان وتركمانستان، هي لتعويض واقع أن كل الجوار الصيني الآخر هو في صف الأميركيين، ما عدا كوريا الشمالية وميانمار ومنغوليا وروسيا، وهناك خطر من أن تفقد الصين صداقة باكستان بعد إقالة عمران خان من منصب رئيس الوزراء العام الماضي والآمال الصينية نحو استمالة حركة «طالبان» في أفغانستان لم تثمر بعد حوالي السنتين من وصول الحركة إلى السلطة في كابول بعد انسحاب عسكري أميركي كان بمثابة نقل للسلطة إلى «طالبان». يمكن هنا قراءة اتفاقية الشراكة الاقتصادية الصينية-الإيرانية في نيسان 2021 ذات مدة الـ25 عاماً، ثم الوساطة الصينية التي جعلت بكين عرّابة ومكان الاتفاق السعودي-الإيراني في آذار 2023 على أنهما محاولتان تضافان إلى قمة «اكسيان» من أجل كسر الحصار الأميركي للصين ومحاولة لتمدّد عملاق ينمو نحو التحول إلى قوة كونية لها كلمة مؤثرة في الشؤون العالمية.
ولكن، هل كل ذلك يدل على مؤشرات إلى حالة ضعف أميركي؟

* كاتب سوري