في سابقة مثيرة للجدل أصدر القاضي المنفرد الجزائيّ في المتن ربيع معلوف، حكماً قضى بإبطال التعقّبات بحقّ مثليين ومتحولين جنسياً ادُعي عليهم سنداً للمادة 534 من قانون العقوبات، وهي المادة التي تُستخدم عادةً لملاحقة المثليين جزائياً.
مؤكداً على «حق مثليي الجنس بإقامة علاقات إنسانية أو حميمة مع من يريدونه من الناس، دون أي تمييز لجهة ميولهم، إذ ذلك من أبسط الحقوق الطبيعية اللصيقة بهم كبشر».
مشيراً إلى أن «منظمة الصحة العالمية» قد اعتبرت أن المثليّة الجنسيّة ليست اضطراباً أو مرضاً، وبالتالي لا تتطلب علاجاً، «لا سيما ما يسمى بعلاجات الإصلاح أو التحويل الجنسي»، مؤكداً في المقابل أن «من شأن حرمان مثليي الجنس من حقهم الطبيعي في إقامة علاقات حميمية فيما بينهم دون تمييز أو تدخل من أحد، أن يؤدي إلى إلزامهم بما هو مخالف لطبيعتهم ليتناسب مع طبيعة الأكثرية، وبالتالي منعهم من التمتع بحقوقهم اللصيقة بشخصهم واستباحتها، ما يشكل خرقاً لأبسط حقوق الإنسان المكرسة في الدستور اللبناني وشرائع حقوق الإنسان العالمية». وقد أدى هذا الحكم وما استتبعه من تفسيرات قانونية إلى سلسلة من ردود الفعل التي يبدو أنها ستفتح الباب واسعاً لجدل قد لا يخلو من الحدّة.
أول المتصدين لهذا الحكم كانت «هيئة علماء المسلمين» في لبنان، إذ أصدرت بياناً مشتركاً مع «اتحاد الحقوقيين الإسلاميين» والتجمع اللبناني للحفاظ على الأسرة، قالت فيه إن القرار «ضرب بعرض الحائط ما قرّرته جميع الشرائع السماوية، والعقول السويّة، والأعراف المرعيّة، وما نصّ عليه القانون اللبناني من تجريم هذه الفعلة النكراء، وهذا السلوك المشين، الذي حدد عقوبتها بنصّ المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني بقوله: «كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس سنة واحدة».
إن بحثاً عن المثلية والتي هي بتعريف بسيط انجذاب الشخص إلى أشخاص من نفس الجنس رومانسياً وعاطفياً وما يستتبعه ذلك من ممارسة جنسية ليس أمراً مستحدثاً بل هو غارق في القدم وتحفل به كتب التراث العالمي على تنوعها بما ذلك التراث العربي الإسلامي، وعلى الرغم من أن منظمة الصحة العالمية لم تصنّف الحالة المثلية كمرض، إلا أن التفسير الطبي الشائع هو مجموعة من الأسباب البيولوجية والبيئية هي التي تؤدي إلى ظهور حالات مماثلة وبعيداً عن التفسير البيولوجي الذي يرى في المثلية خللاً هرمونياً وفي التركيبة الجسمانية ذاتها، فقد أجمع علماء النفس على أن الميول الجنسية نحو الجنس المماثل تعود إلى عوامل معقدة ومتداخلة، ويرجع علماء النفس الشذوذ الجنسي لعدة أسباب في العقل اللاواعي للإنسان إن أمكن علاجها تخلص المثلي من حالة الشذوذ الجنسي وأهم هذه الأسباب:
قسوة الأب: والتي تكون سبباً في نزوع الشخص المثلي إلى تعويض العاطفة المفتقدة عن طريق وسائل إشباع شاذة، وهي الانحراف لنفس جنسه.
الاعتداء على المثلي وهو طفل: وهنا يحدث للطفل أمران، إما حالة انطواء عن المجتمع. أو حالة توحد مع الشخص المعتدي ويتحول إلى مثلي.

النزعات المثلية يزداد تفاقمها في مجتمعات يسودها الاضطراب والتغييرات السريعة


البحث عن لذة بديلة: وهي حالة قد يصل إليها من لا يستطيع إشباع رغباته بعد ملله من الجنس الطبيعي
ولا شك أن النزعات المثلية يزداد تفاقمها في مجتمعات يسودها الاضطراب والتغييرات السريعة، إضافة إلى حيرة الانتماء في زمن التقلبات الاجتماعية والسياسية العنيفة، وقد تكون في بعضها ناجمة عن حالات من الغضب والإحباط من واقع معين، وبهذه الحالة تكون المثلية كتعبير ردة فعل عنيفة وصادمة في مواجهة قيم المجتمع.
يستنكر الأخلاقيون والتقليديون وأغلب المتدينين في العالم الممارسة المثلية باعتبارها فعلاً شاذاً يناقض القانون الطبيعي ويستفز الذوق العام، بل إنها ممارسة تتحدى السماء وفق المفاهيم الإسلامية. وعلى الرغم من أن المجتمعات الغربية قد تجاوزت الأمر باعتباره خياراً فردياً يدخل ضمن الحريات الشخصية التي يحميها القانون، إلاّ أن التشريعات الإسلامية ترى ضرورة قتل المثلي. (اتفق الفقهاء على أن حد اللواط على الفاعل والمفعول القتل، وكان كل من الفاعل والمفعول عاقلاً بالغاً مختاراً، ولا فرق بين أن يكون كل منهما مُحْصَناً أو غير مُحْصَن، أو مسلماً أو غير مسلم). وينبغي الإشارة أن جميع الدول الإسلامية التي تعتمد التشريع الإسلامي كدستور تتشارك في النظرة ذاتها ولا فرق. أما بابا الفاتيكان فله نظرة مختلفة فهو لا يشجع ولا يدين الممارسة المثلية، لكنه يدعو إلى عدم تهميش المثليين وإلى الاعتناء بهم.
في لبنان تلحظ المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني حظر إقامة علاقات جنسية مع ما «يخالف قوانين الطبيعة» ويعاقب مخالفها بالسجن لمدة سنة. من الناحية العملية. ومن نافل القول إن المجتمع اللبناني على اختلاف تنوعه المذهبي هو في أغلبيته مجتمع محافظ ويعتبر المثلية أمراً يتجاوز الشذوذ ليصل إلى تهديد الأمن الاجتماعي والبنية ذاتها التي تقوم عليها العائلة اللبنانية. إلّا أنه في 11 يوليو 2013 أصدرت الجمعية اللبنانية للطب النفسي بياناً قالت فيه إن المثلية لا تشكل في أي من أوجهها اضطراباً أو مرضاً، وهي بالتالي لا تتطلب أي علاج، إذ أنّ «المثلية الجنسية ليست نتيجة اضطراب في الدينامية العائلية أو نمو نفسي غير متزن» مضيفةً بأن «المثلية الجنسية في ذاتها لا تتسبب بأي خلل في القدرة على الحكم أو الاستقرار أو في الموثوقية أو في القدرات الاجتماعية أو المهنية».
معتبرة أن «تغيير التوجه الجنسي ليس هدفاً ملائماً يصبو إليه العلاج النفسي»، ودعت الجمعية «الخبراء في مجال الصحة في لبنان إلى الاعتماد حصراً على العلم عندما يعبرون عن آرائهم أو يصفون العلاج لهذه الحالة». وهذا جعل من لبنان أول دولة عربية تتوقف عن اعتبار المثلية الجنسية «مرضاً».
غير أن بياناً كهذا لا يمكن أن يقنع الجمهور في لبنان بمنطق تساهلي تجاه الأمر، بل إن التشدد في النظرة إلى المثليين تجعلهم في درجة «دونية» وتؤثر حتى في كامل محيطهم العائلي، وهو ما يستدعي إقراراً بصعوبة التظاهر بالمثلية كخيار وهو ما ينبغي على المثليين مراعاته.
مع قرار الحكم الذي أصدره القاضي معلوف دخلت الأمور في طور المواجهة المباشرة بين الجمعيات الأهلية وعلى رأسها جمعية «حلم» كطرف يسوّق لحرية الخيارات الجنسية والمجتمع التقليدي وعلى رأس الهرم الجماعات الإسلامية الممثلة آنياً بهيئة علماء المسلمين. وهو صدام سوف ينسحب على سلسلة كبيرة من نقاط خلافية في زمن العولمة. وهي نقاط تنبغي معالجتها بتأنٍّ وببحث علمي رصين وبدون أي ردود وردود مضادة انفعالية. إنها العولمة ولا مفر من المواجهة.
* كاتب لبناني