كلنا حزب الله
في زمن الوحشية الأميركية ـ الإسرائيلية وحربها المفتوحة على المنطقة وأهلها، وفي لحظة احتدام المواجهة وبسالة التصدّي الذي يبديه المقاومون الراسخون في الأرض والثابتون على وعد التحرير الكامل والشامل، ثمة ما ينبغي قوله، لا لرفع المعنويات فهذه تلامس السماء، ولا لشدّ عضد المقاومين فهؤلاء ثابتون ثبات الأرض وراسخون رسوخ الجبال، بل لتبديد أوهام المتوهّمين ودحضاً لأكاذيب الكاذبين. وما ينبغي قوله، باختصار شديد ووضوح أشد، هو أن الوقوف مع حزب الله وإلى جانبه ودفاعاً عنه، هو وقوف مع الحق والعدل والكرامة والشرف... نعم، وبوضوح بلّوري لا لبس فيه، يجب التكرار والقول إن الوقوف مع حزب الله وإلى جانبه ودفاعاً عنه هو وقوف مع الحق بأسمى معانيه والعدل بأنقى صوره والكرامة بأبهى حللها والشرف بأرقى تجلّياته. فحزب الله في قتاله اليوم لا يقاتل دفاعاً عن الأرض اللبنانية ولا انتصاراً لفلسطين وقضيتها العادلة ولا رداً للعدوان الهمجي وحسب، بل يقاتل، وببسالة عربية وربما إنسانية غير مسبوقة، دفاعاً عن كامل المنطقة، وحماية لمستقبلها المهدّد بأسس الوجود والبقاء.
إن إدراك حزب الله العميق والواعي لأصل «البلاء» العربي هو ما حفّز رجاله وقادته على تصدّر المسيرة وتقدّمها نضالاً وقتالاً واستشهاداً. وهو ما جعله يبذل ما لم يُبذل ربما في التاريخ من تضحيات ودماء كنا لولاها لا نزال غارقين في القاع السحيق إياه الذي أوقعتنا فيه قوى الاستعمار الغربي وخيانات أدواته العربية القذرة. فهو الحزب الذي أدرك أن الاحتلال الإسرائيلي الجاثم على أرض فلسطين منشأ كل الكوارث العربية التي لحقت وتلحق بالأمة. وهو الحزب الذي أدرك أفضل من غيره ربما أن مسؤولية الاحتلال والتجزئة وغيرهما من الكوارث النازلة بنا هي مسؤولية غربية لا لبس فيها ولا سؤال. وهو الحزب الذي فهم جيداً أن إسرائيل تمثّل بحكم الوظيفة والدور المنوطين بها الأصل والأساس المسؤول عن «الفوات التاريخي» الذي تدفع أجيالنا منذ مطالع القرن الماضي ثمنه الباهظ فقراً وجوعاً وهجرة وأميّة. وهو الحزب الذي تنبه إلى أن الاحتلال هو الصانع الأول والوحيد لمجازر اليوم في غزة والضفة ولبنان وسوريا واليمن. وهو الحزب الذي لم يفته أن مجازر اليوم هي امتداد لمجازر الأمس القريب في سوريا وقبلها العراق ومصر وليبيا...
يرتقي الإنسان أول ما يرتقي بأفعاله لا بأقواله، لكنه يرتقي ويسمو حين يجمع بين ارتقاء القول وارتقاء الفعل. إلا أن هناك، بيننا، من يصرّ على مخالفة الفطرة الإنسانية السويّة، فيختار أن يقف مع القاتل لا مع الضحية، إما لمطمع تافه وإما لدونية لا تفسير لها غير الهزيمة المسبقة التي تستوطن العقل والقلب في آن. ويتقدّم هؤلاء جمع من أهل الليبرالية الرثّة والمراهقة المتأخرة.
اليوم، وفي ظل الخضمّ الملحمي والنضالي الذي تصنعه بنادق المقاومين في لبنان وفلسطين واليمن وسوريا والعراق، يفترض بإنساننا العربي الصامت أو العاجز أو الخائف أن يغادر صمته أو عجزه أو خوفه وأن يرتقي إلى سوية اللحظة، وأن يدرك أن من واجبه لاستحقاق إنسانيته أن يقف مع الحزب الذي يخوض معركة الإنسانية الحقّة، الإنسانية الرافضة للظلم والساعية إلى العدل والحرية. وفي سبيل هذا الهدف قدّم قائداً كبيراً واستثنائياً يصعب أن يأتي الزمن بمثله.
فقضية حزب الله لم تكن في يوم من الأيام غير قضية الأمة العربية. ومشروعه لم يكن إلا مشروع العرب الرامي إلى رفعة الإنسان العربي وتحرره واستقلاله بعيداً عن وصاية المستعمر الغربي وهيمنة أذرعه الأوروبية وذيلية خونة الأمة ورجعيّيها. بل إن حزب الله في نضاله المديد هو خير تكثيف لكل نضالات من سبقه من حركات المقاومة وفصائلها التي تعاقبت على حمل لواء الدفاع عن الأرض وحفظ كرامة إنسانها. بل هو تكثيف راق وعميق ونبيل لكل التطلعات والآمال التي راودت أجيال المقاومين، كل المقاومين، وحفّزتهم على بذل ما بذلوه في سبيل غد عربي واعد.
وعليه، يجب أن نفهم أن هزيمة حزب الله هي هزيمة لنا جميعاً، بل وهزيمة لكامل الإنسانية. ومن شأن حدوثها، وهذا ما لن يحصل ولو أطبقت السماء على الأرض، أن تدفع بنا إلى قاع أعمق وأشد غوراً من القاع الذي رمتنا فيه هزائم النكبة ومن بعدها النكسة، وما نجم عن هذه وتلك من محطات عار وهوان كانت ذروتها مع كامب ديفيد وما تلاه من اجتياح للبنان وسحق للعراق وتحطيم لسوريا...
وليعلم صغيرنا قبل كبيرنا أن وحده حزب الله من أوقف الانهيار الذي كاد يفضي بنا إلى خروج فعلي من التاريخ ومعه الجغرافيا. فهذا الحزب الذي امتشق البندقية في لحظة الهزيمة التي سادت عقب اجتياح 1982، استطاع إعادة الاعتبار إلى جملة من الأمور ليس أقلها أهمية ثقة الإنسان العربي بإمكاناته وقدراته غير المحدودة على النهوض. فكانت المقاومة وكان التحرير الأول والثاني وكان الانتصار المؤزّر في عام ٢٠٠٦ً وكان الردع الذي حمى لبنان.
إن حزب الله، بعبارة واضحة ومباشرة، هو ذخيرة الأمة وذخرها اللذان من واجبنا جميعاً صونهما برمش العين وحرارة القلب ودفء الشعور وأن نسكنهما الوجدان والفؤاد والخوالج.
فهذا الحزب الذي يخوض معركة ردّ العدوان الأميركي ـ الصهيوني الهمجي ومنعه من تحقيق أهدافه البعيدة والعميقة هو جدارنا الأخير، ومن دونه لن يبقى للأمة من ذكر حتى في كتب التاريخ، فالتاريخ هو تلفيقة المنتصر وليس عرضاً للوقائع أو ذكراً للأخبار. حزب الله هو الجدار الحامي، ومن دونه لن يبقى للأمة ما تقوله لأجيالنا القادمة، هذا إن تسنّى لها أن تولد.
نعم، وبفخر الثوار ونبل الأحرار وصدق المجاهدين القابضين على جمر القضية، نقول: كلّنا حزب الله!