معظمنا شاهد الفيديوهات المفزعة التي اعتاد تنظيم «داعش» بثها وهو يرمي المثليين من «علو شاهق» تنفيذاً للوصايا والأفكار الوهابية. هذا في الرقة والموصل ودير الزور، صحيح. لكن هل تنفصل تلك المشاهدات عما يحدث يومياً في باقي بلداننا العربية المنكوبة؟ نقول بأسى لا. في بلادنا، تتخذ فكرة «العلو الشاهق» أشكالاً أخرى لا تقل وحشية وتخلفاً عن أفلام «دولة الخلافة»، آخرها ما وصلنا من بلدة «بني ملال» المغربية، حين قام مجموعة من الشبان في 9 آذار (مارس) الماضي باقتحام أحد المنازل والاعتداء الوحشي على شابين والطواف بهما عاريين في شوارع البلدة. وصل مسلسل الرعب إلى اعتقال السلطات المغربية للضحيتين وإيداعهما الحبس بدلاً من تقديم العلاج الصحي والنفسي لهما جراء هذا الاعتداء الوحشي عليهما! وأول من أمس، كانت محاكمة الضحيتين ستمر مرور الكرام لولا فتاتين من حركة Femen نرفع لهما القبعة ونحييهما على شجاعتهما رغم ملاحظاتنا العديدة على الحركة. وصلتا أمام محكمة «بني ملال» وحاولتا التعري احتجاجاً على المحاكمة، لتثار المواقع الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي مجدداً هذه المرة بموضوع فتاتي «فيمن» أكثر من القضية الأساسية.
ثار مجتمع الفايسبوك حين أضاف مارك زوكربرغ قوس قزح إلى خيارات المستخدم

في حزيران (يونيو) العام الماضي، قام مجتمع الفايسبوك ولم يقعد؛ حين قرر مارك زوكربرغ وضع خيار إضافة قوس قزح لصورة حساب المستخدم احتفالاً بـ/ وتضامناً مع قانون «الزواج المثلي» في بعض الولايات الأميركية. لمسنا وقتها حجم الإسفاف والسطحية التي تتعامل بها المجتمعات العربية ـ وحتى بعض من يصفون أنفسهم بمثقفين وفنانين ـ مع موضوع المثلية. وقبل أيام، انتشر فيديو «بني ملال» من دون أن يحدث أي رد عربي جاد يدين ويتحرك تجاه حقوق شريحة مهمشة تعيش في الظل وتتعرض لأبشع ممارسات الإهانة والتخويف والقمع والقتل، وأحياناً الابتزاز والاستغلال من قبل الاحتلال كما يحدث في فلسطين مثلاً.
لماذا ننتظر المؤسسات الأجنبية كي تتفاعل وتصدر البيانات وتضغط على حكوماتنا؟ لماذا ننتظر صحافيين أجانب كي يأتوا لإجراء تحقيقاتهم (غير البريئة أحياناً)؟ ولماذا ننتظر فتاتين من «حركة فيمن» أمام محكمة «بني ملال» احتجاجاً على محاكمة الضحيتين؟ لا بأس، لأن «الاعتراف بالذنب فضيلة» كما يقال، فلنعترف بأننا كمجتمعات عربية نعيش في مرحلة انحطاط تاريخي فكري وحضاري، رضيت أغلبيتنا بثقافة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» بدلاً من ثقافة الاختلاف والتعددية الفكرية التي تؤمن بالحريات الفردية كحق أساسي وكقيمة مجتمعية رئيسة في سبيل تقدم الشعوب وتطورها.
بعض الأصوات والجمعيات العربية التي ظهرت أخيراً للدفاع عن حقوق المثليات والمثليين وبث الوعي في هذا الإطار، تدفعنا إلى التفاؤل قليلاً. تلك الجهود تبدو كأنها ضوء في نهاية نفق طويل. ضوء وحيد بالكاد نلمس خيوطه، لكنه موجود ويحتاج إلى تضافر الجهود وإلى الكثير من الصبر والنضال. أما أولئك أصحاب خطاب «الطبيعة والشذوذ والرذيلة»، فنقول لهم اهربوا من التاريخ الذي يزخر بمثليين أسهموا في بناء الحضارة الإنسانية، وأضاؤوا لنا طرقاتنا بإنتاجاتهم العلمية والأدبية والفنية. اهربوا إلى أكثر البقع ظلاماً، هذا شأنكم، وشأن كل من يختار العيش في مستنقعات القهر والظلام.
ضحيتا «بني ملال» اللذان تم التنكيل والطواف بهما عاريين، دماؤهما التي سالت هي دماء الحرية المسحوقة من المحيط إلى الخليج، وتلك العورة هي عورة كل من يصمت عن أي قضية مشابهة ويطالب بالحرية في الوقت ذاته.