الدراما السورية تراهن على «الصدمة»
موسم جديد متنوّع وغياب شبه واضح للرؤية المستقبلية، لكنّ الأكيد بأن الفن في سوريا لا يموت... هذه ترتيلة لا يكفّ كل من يعرف الشام عن تردادها!
صحيح أنّه لا يمكن للفن كتابة التاريخ، لكنّه يمكن أن يكون شاهداً، وثيقةً على الأقل في عالمنا العربي. يمكن لذكاء وبراعة الصنعة والموهبة الاحتيال على الرقيب، وفضح المستور من سلوكيات السلطة وعقليّتها المأزومة، وما أرسته من قوانين مزارع تتناهشها عصابات ومافيات لا أحد يجرّب وضع حدّ لها لا في السّلم ولا في الحرب. تلك الأنواع من المسلسلات تعتمد مبدأ الصدمة، التي تترك آثارها ببلاغة واضحة، خاصة عندما تُحاكي الواقع بصراحة شديدة.
هذا العام تتنافس بعض الأعمال السورية الاجتماعية الصادمة، خصوصاً بين «كسر عضم» (تأليف علي الصالح ــ إخراج رشا شربتجي ــــ بطولة: كاريس بشار، سامر اسماعيل، فايز قزق، خالد القيش، ولاء عزّام ،ندين تحسين بيك ـــ إنتاج «كلاكيت» ــ قنوات «أبو ظبي» ــ LBCI) وبين «مع وقف التنفيذ» (كتابة علي وجيه ويامن الحجلي ـــ إخراج سيف الدين السبيعي ـــ بطولة: غسان مسعود، سلاف فواخرجي، عبّاس النوري، صفاء سلطان، شكران مرتجى، فادي صبيح ـ إنتاج «إيبلا» ـــ «mbc دراما»، منصة «شاهد»، «bein دراما»، منصة TOD، «حكايات»، «روتانا دراما»، LBC، قناة« لنا»، «Zee ألوان»...)
في «كسر عضم»، سيكون المشاهد مع لعبة رشا شربتجي المفضّلة في حبس الأنفاس والتشويق للحد الأقصى، وهو ما اختبره في مسلسلاتها السابقة التي أسّست لمثل هذا النوع من الأعمال. تقدّم الحكاية مجموعة متداخلة من الأحداث أهمها تفنيد جديد لذكورة المجتمع واستضعاف المرأة ومحاولة تقييدها وربط العار بكلّ ما تتعرّض له من تحرّش ومضايقات. هكذا، ينبش المسلسل في كواليس قضية قديمة، من خلال موضوع التحرّش وفكرة أن ترفع الفتاة التي يتم التحرّش بها صوتها عالياً، ومعضلة أنها إذا سكتت ستتعرّض لمزيد من الضغوط النفسية والتجاوزات المهينة. وإذا تكلّمت أو شكت، ستكون الفضيحة لها في المرصاد... لذا لن يُجدي نفعاً أي سلوك، سواء فكرت أن تلوذ بالقانون، أو تحتكم لشريعة الغاب التي تمنح الأفضلية للأقوى أي للذكر في مجتمع موغل في الذكورية والرجعية والتخلّف، بالإضافة إلى مجموعة قضايا متشابكة تبني تصعيداً منطقياً وتخوض في خبايا النفس البشرية.
أما «مع وقف التنفيذ»، فقد جدّد علاقة mbc مع الدراما السورية. إذ كان آخر الأعمال الاجتماعية التي عرضتها القناة مسلسل «بنات العيلة» في حين كانت الدراما الشامية حاضرة دوماً على الشبكة السعودية. ينطلق العمل من كيفية عودة سكّان حارة العطّارين الكائنة في إحدى ضواحي دمشق إلى بيوتهم، بعد سنوات على النزوح منها، لتبدأ الحكاية. علماً أنّ الحارة تضمّ شخوصاً متنوّعة الطباع والأفكار والطبقات الاجتماعيّة، منهم الفقير الشعبيّ، والمثقّف المتعلّم، والغنيّ، والطبقة الوسطى، والتاجر...
نتابعهم اجتماعياً وإنسانيّاً وتشويقياً، ما بين مستوى مختصر من الماضي لتوضيح العلاقات والجذور والأحداث في مرحلة ما قبل مغادرة الحارة (قبل الخروج)، وبين الحاضر الذي تمضي فيه الشخوص في مساراتها ونحو تطلّعاتها. ما بين الماضي والحاضر، داخل الحارة وخارجها، تطرح الحكاية نفسها أسئلة مفادها: كيف كان شكل العلاقات بين هؤلاء الشخوص في الماضي؟ وكيف صارت اليوم؟ من كان صديق الآخر، هل أصبح عدوّه اليوم؟ ولماذا؟ من خرج عاشقاً؟ هل عاد كذلك أم بحال مختلف، أم اتّجه إلى حبّ جديد؟
أسئلة كثيرة خلال سعي أبطال القصة إلى النهوض مجدّداً، ضمن محيط ملتبس ومتخبّط. أزمات متروكة. تحوّلات أفراد على المحك مع مبادئهم وقناعاتهم، بحث عن الخلاص والأمل والفرص الثانية...في المقابل، يسعى بعضهم من خارج الحارة إلى الإفادة من وضعها وموقعها الإستراتيجي، ضمن صراع كبير على كعكة إعادة الإعمار ضمن مراحل تصعيد متلاحقة.
في سياق مختلف وبمنطق الدراما الاجتماعية الهادئة التي لا تخلو من التشويق، يسير مسلسل «على قيد الحب» (كتابة فادي قوشقجي ـ إخراج باسم السلكا ـ بطولة دريد لحام، سلوم حداد، أسامة الروماني، مديحة كنيفاتي، يزن خليل، صباح الجزائري، وفاء موصلي، عاصم حواط، ندين خوري، رنا كرم، نسرين فندي، خالد شباط، ماجد عيسى، وجلال شموط، إنتاج «إيمار الشام» ـــ «لنا»، «الشرقية»، «وياك»). يلاحق العمل مصائر شخصيات تعيش في زماننا الحاضر، ويخوض في تركيبة العلاقات الاجتماعية وتعقيداتها نتيجة تشابكات الظروف المحمومة. إذ ينطلق من قصة صديقَين تنسج عليها قصة المسلسل بتصعيد يأمل أن يكون مشوّقاً وجذاباً.
إثارة وتشويق مع «السيد آدم»
من أبرز الأعمال المؤجّلة بعد الانتهاء من تصويرها العام الماضي مسلسل «مقابلة مع السيد آدم» (كتابة وإخراج فادي سليم ـ بطولة: غسان مسعود، محمد الأحمد، رنا شميّس، لجين إسماعيل، مصطفى المصطفى، تولين البكري ــ قنوات «أبو ظبي»). قدّم العمل حكاية الجزء الأوّل بطريقة شوّقت الجمهور بعدما تابع الأستاذ الجامعي آدم عشية استعانة الجهات الجنائية به لكشف ملابسات مقتل فتاة مصرية في سوريا، بذريعة خبرته الطويلة في هذا المجال ومن ثم اعتزاله لها وتفرّغه للتدريس الجامعي. وبالفعل يتمكّن الرجل من كشف ملابسات الجريمة، ما يجعله يقع في مواجهة مع المجرمين الذين يختطفون ابنته المصابة بمتلازمة داون ويجعلونه يغيّر تقريره. لكنّ الفتاة تموت بعد عودتها إلى أهلها بسبب خلل في جرعاتها الدوائية.
يُخفي الرجل الجريمة ويبدأ برحلة تصفية الحساب مع أفراد العصابة ويتمكّن بفضل خبرته الطويلة من تضليل الشرطة عن كشف الجرائم. الرحلة ستستمرّ في الجزء الثاني مع الأستاذ الجامعي ورحلة انتقامه الطويلة.