تزور الروائية والمناضلة النسوية الجزائرية وسيلة تمزالي (1941) لبنان بدعوة من «المعهد الفرنسي في بيروت» للمشاركة في «المهرجان الدولي للفيلم في طرابلس» و«معرض الكتاب الفرنكوفوني». وُِلدت وسيلة تمزالي في الجزائر من أب جزائري وأم اسبانية. عرفت كيف تثبت هويتها المزدوجة على جانبي المتوسط خلال سنوات نضالها الطويلة، قبل وبعد السنوات العشرين التي أمضتها في العمل مع «اليونسكو» حيث كانت المسؤولة عن تحسين وضع النساء في منطقة المتوسط.
يعتبر كتابها «نشأة جزائرية» (دار غاليمار، 2007 ــــ عرّبه أحمد بن محمد بكلي، وصدر عن «دار القصبة» في الجزائر) مرجعاً وحتى مفتاحاً رئيسياً لفهم الجزائر، وتاريخها، وحقبتي الاستعمار وما بعد الاستعمار (كانت في العشرين عند استقلال الجزائر عام 1962)، فضلاً عن ثقافتها وتقاليدها.
يدخل القارئ إلى قلب الجزائر وصميم آلامها التاريخية من خلال تاريخ وسيلة الشخصي الفريد، هي المتحدرة من أسرة مرموقة من أصحاب المعاصر الأثرياء الذين يمارسون تجارة الزيت مع الخارج ويُعامَلون على أنهم «أعداء الشعب» وتُصادَر أراضيهم. تمثّل روايتها التي تعود إلى طفولة هادئة وسعيدة في هذه المزرعة العائلية، فكرة قديمة العهد. لقد كانت طفلة حين عرّفتها جدتها إلى فن اعداد المونة، ثم باتت واعية إزاء التناقضات في تعليم النساء في الجزائر، والتناقض في علاقة السيطرة/ الخضوع بين الرجال والنساء. تظهر تمزالي كيف تُمارَس السيطرة المبكرة على أجساد النساء وحياتهن الجنسية. تدين التمييز بين الجنسين الذي يبدأ منذ الطفولة من خلال «عبادة» الذكر والاحتفاء بالعضو الذكري. تبرز هذا التمييز بشدة في حفل الختان حيث يُعامل الصبية كأمراء ولا يولي الكبار أي اهتمام للفتيات. في المقابل، تمارس النساء سلطتهنّ على الرجال من خلال قدرتهن على التحكم بأمور المطبخ، «وذلك من خلال نكران الذات، وصولاً إلى خنق الرجال». تناقضات في تركيبة الأنثى، تعود اليها وسيلة تمزالي بعد سنوات أثناء دراستها النضال النسائي في سبيل حقوق المرأة.
عام 1957، تغيّرت حياتها رأساً على عقب حين اغتيل والدها. في هذا السياق، مثّل «نشأة جزائرية» محاولة لفهم «سبب» اغتيال والدها على يد قومي جزائري في حين كان هو نفسه قومياً. تتحول الرحلة الأدبية إلى رغبة في إيضاح ــ من خلال الأدب ــ الأسباب التي أدت إلى وفاة والدها الذي اعتبرت هذه المراهقة أنه انتُزع منها.
تمزالي التي تنقّلت بين الجزائر واسبانيا، وعاشت في باريس منذ سنّ البلوغ، تأخذ مسافة من الأمور تمكّنها من التفكير بموضوعية بعيداً عن العواطف في ترحالها الادبي. هي عاشت النزوح من الداخل، فجعلها انتماؤها متعدد الهوية شاهدةً مميزة وربطها ارتباطاً وثيقاً بالهوية الجزائرية كما بهوية ألبير كامو (1913 ـــــ 1960). أثرت فيها وفاة الكاتب الفرنسي الغامضة فيما كانت هي تستعد لتقديم بكالوريا في الفلسفة، وكانت معجبة به «بحجم الإعجاب الذي تستطيع أن تكنّه له في العشرين من العمر» (باتت اليوم أكثر نقديةً في النظر إليه). «كان واحداً من الأوائل الذين أدانوا وضع الجزائريين المستعمَرين». شخصية لا يمكن فصلها عن الجزائر وفرنسا، وهي ملازمة للعلاقة العاطفية والمؤلمة بين البلدين. تعيدها أقوال كامو إلى وضعها حين «اضطرت لموازنة وفاة والدها مع العنف القومي»، وتستشهد بكامو: «اليوم، العاصمة الجزائرية ملأى بالاعتداءات في الشوارع والحافلات. قد تكون أمي على متن هذه الحافلة. ولو تعيّن علي أن أختار بين العدالة وأمي، فإني سأختار أمي». كل شيء بالنسبة إلى وسيلة تمزالي يتمثّل «في التفريق بين العنف الضروري لكن غير المبرر أبداً، والعنف الضروري والمبرر لأنه صائب كما كانت تعتقد الحركة الوطنية بكاملها ونحن أيضاً وأنا كذلك».

ندوة حول «قضية حقوق المرأة: الإنجازات والعقبات» مع وسيلة تمزالي، وماري ـ تيريز سانشيز شميد، وباميلا شرابيه بادارة ندى عنيد: 16:00 مساء 9 ت2 (نوفمبر) ــ SALLE A