تجرّأ قاضي بيروت الشرعي الشيخ وائل شبارو على مواجهة التدخّلات السياسيّة التي حاولت منعه من إصدار قرار قضائي نادر في تاريخ المحكمة الشرعيّة بحماية وقف البر والإحسان، وتعيين ناظر حسبة (حارس قضائي) على الوقف ومُشرف على أعمال مجلس التولية. أقفل الرّجل، قبل إصدار القرار وبعده، في وجه الاتصالات التي انهالت عليه، من بعض ذوي «اليد الطولى» داخل أروقة المحكمة. الحديث يدور عن محاولة فاشلة للتدخل من قبل الرئيس فؤاد السنيورة، وأخرى مماثلة قام بها مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان لـ«ضبضبة الملف»، وعن اتصالات ترهيب. رغم ذلك، أصرّ شبارو على قراره الذي تضمّن فعلياً كف يد مجلس أمناء الوقف، بل ذهب أبعد من ذلك في تكليف ناظر الحسبة بالادّعاء أمام محكمته لدى اكتشاف أي مُخالفة. وفي وقت تنصّل أكثر من مسؤول من الدعوى بعد ضغوط سياسية لترك الناشطين لمصيرهم، يجيّر كثر الـ Credit في عمليّة «التطهير» هذه، بحسب ما يُسميها الناشطون الذين حرّكوا الدعوى، إلى رئيس «جمعية بيروت للتنمية الاجتماعيّة» أحمد هاشميّة، ويقدّمونها كفاتحة لـ«عهد الإصلاحات». بصمات هاشميّة واضحة بعدما رفض غسل يديه ممن حرّكوا الدعوى، ولـ«محاربة مزاريب الفساد التي تنخر في جسم الطائفة السنيّة»، مؤكداً أنّه سيواصل دعمه «لتطهير أوقاف الطائفة وصناديقها».
قرار شبارو والتدليل على مُخالفاتٍ شرعيّة ارتكبها مجلس الأمناء انتشر كالنّار في الهشيم بين «البيارتة» الذي اعتبروا أنّ أهميّته تكمن في «كوْنه موجّهاً ضدّ نافذين داخل الطائفة». التهليل للقرار أعطى جرعة دعم من يريدون التحرّك لـ«تنظيف» المؤسسات الوقفيّة من المخالفات في وجه من «يُحرّم» الحديث عنها في العلن، كما أزال شُبهة التدخّلات السياسية في أعمال المحكمة الشرعيّة بعدما أدار شبارو الظهر لكلّ اتصالات «الموْنة».
على المستوى القضائي، ينتظر أن يقدّم وكيل الدّفاع عن مجلس الأُمناء اعتراضاً على القرار، إلا أنّ ذلك لن يُغيّر في خلاصة القرار. إذ إن شبارو أثبت أنّ المُخالفات التي تم الحديث عنها ليست من وحي الخيال، بعدما أشار في متن قراره إلى أنّه «بالإطلاع على المستندات المبرزة في ملف الدعوى الرجائية هذه يظهر وجود تصرّف في عقارات موقوفة عن طريق البيْع من دون مراعاة الأصول المرعيّة في استبدال الأوقاف، وعن طريق الهبة والتنازل مع ما في ذلك من مخالفة شرعيّة لمبدأ الوقف».
القرار صدر بعدما تقدّم المحامي محمّد خير الكردي بوكالته عن عدد من الناشطين باستدعاء ضدّ المجلس ممثلاً برئيسه النائب السابق عمّار حوري، لـ«التدقيق والتحقيق في أعمال مجلس أمناء وقف البر والإحسان والمؤسسات التابعة له، خصوصاً جامعة بيروت العربية، وذلك من الناحية المالية والإداريّة، ومدى مُطابقتها للنظم الشرعيّة للوقف، وضبط المُخالفات في حال وجودها واتخاذ التدابير اللازمة عند الاقتضاء».
القرار يُثبت وجود تصرّف في عقارات موقوفة عن طريق البيْع من دون مراعاة الأصول


وقد قرّر شبارو تعيين المحامي كابر عابدين ناظر حسبة على الوقف ومُشرفاً على أعمال مجلس التولية، وتكليفه بإجراء مراجعة لأعمال المجلس لا سيّما عقود البيع والهبة للعقارات الوقفيّة، وإعطاءه الإذن بالادعاء، كما «اعتبار أي قرار صادر عن مجلس الأمناء غير نافذ إلا بعد إبلاغه لناظر الحسبة وموافقته الخطيّة عليه أو عدم الاعتراض عليه أمام هذه المحكمة في مهلة 15 يوماً من تاريخ تبلّغه». وعلّل شبارو قراره بأنّ «المعتمد في المذهب الحنفي أنه على القاضي مراقبة أعمال المتولي بما له من سلطة ولائيّة عامة أعمال متولي الوقف وعند التأكد من وجود مخالفاتٍ شرعيّة ناتجة عن جهل بأحكام الوقف تؤدي إلى تشكيل قناعة لدى القاضي بضعف المتولي بإدارته للوقف».
في المقابل، قال رئيس مجلس أمناء الوقف عمّار حوري لـ«الأخبار» إنّه لم يطلع على القرار لصدوره في نهاية الدوام الرسمي!