الجماعة الإسلامية ليست تنظيماً حديدياً؛ هذا ما أظهرته التجارب على مر القيادات المُنتخبة، ولكنه طبعاً غير «كرتوني». 6 أشهر على انتخاب الشيخ محمد طقوش أميناً عاماً للجماعة كانت كافية لتأكيد أنه قادر على «لملمة» الخلافات وجمع الطوابق المُتضاربة داخل «عائشة بكّار»، بأقل كلفة ممكنة. قاد الرجل «عاصفة حزم» على «الجيوب» التي تنوي التمرّد، إلا أنّه لم يتمكّن، حتى الآن، من القضاء عليها نهائياً.عماد الحوت واحدٌ من القياديين الذي لم يستوعبوا بعد كيف انقلبت الأمور رأساً على عقب، وكيف تنتقل الجماعة من ضفةٍ إلى أُخرى بسلاسة، بعدما اشتدّ عود الجناح المحسوب على حركة حماس في الداخل، وإن كان البعض ينفي هذا الأمر، مؤكّداً أنّ تأثير «حماس» في عدد من الملفّات ليس كما يتم ترويجه. ينقل البعض عن الحوت أنه غير راضٍ عن الأداء السياسي لحزبه، تماماً كعدم رضاه عن «محاولات الكبت» التي يتعرّض لها. المواقف التي يدلي بها يتم فحصها عبر «الميكروسكوب»، منعاً لأي تغريدة خارج السرب، وعمليات ضبطه صارت «عالمكشوف».
على مسامعه، استذكر قياديون في الجماعة ملابسات اختياره لتمثيلها في المجلس النيابي. علماً أن البعض يشير إلى أن الحوت لم يجتز أصلاً «اختبار الأرقام» في اجتماع خصّص لاختيار اسم مرشح «الجماعة»، لكن العقلانية استدعت اختياره حتى لا تتأثّر القاعدة الشعبيّة بالتباينات الحاصلة في الانتخابات ولا تتزعزع المؤسسات الداخليّة قبل انتخاب القيادة الجديدة. يعرف «الدكتور» أنّ أموال «حماس» هي التي أبقت الجماعة واقفة «على رجليها»، ومكّنته من أن يُنتخب نائباً عن بيروت. كلّ ذلك، يجعل من الحوت أضعف من مقاومة «مخرز» القيادة التي كانت واضحة في طلبها بأن «يصفّ بالصف» بمعزل عن آرائه الشخصيّة، باعتبار أنّه ينتمي إلى حزب ولا يمثّل نفسه في البرلمان، بل عليه أن يعكس توجّهات «الجماعة» والالتزام بسقفها. هذا ما قاله طقوش لـ«الأخبار» في أوّل لقاء إعلامي معه: «أتحدى أن يجيب الحوت عن الأسئلة التي توجه إليّ بإجابات مُناقضة وإلا أستقيل من منصبي».
رغم ذلك، لدى الحوت جملة من الانتقادات على المواقف السياسيّة لـ«الجماعة». كل المواقف في كفّة والاقتراب من حزب الله في كفّةٍ أُخرى. ليس سهلاً على الرجل الذي قال يوماً إنّ «حزب الله يعاني من أزمة ضمير لأنه يمارس ما كانت تمارسه إسرائيل في الجنوب ويحتل جزءاً من الأراضي السورية»، أن يصرّح بغير ذلك.
جميع القياديين يعرفون أن نائب بيروت لم «يهضم» انعطافة الجماعة بعد. إلا أن بعضهم يُشير إلى أنّ ما يُزعج الحوت أكبر من «قصقصة الأجنحة» داخل «عائشة بكّار» وكتْم آرائه، بل وصل الأمر إلى «كتْم» تحرّكاته. من ذلك، مثلاً، منعه من المشاركة في العشاء الذي أقامه السفير السعودي وليد البخاري بعد اجتماع دار الفتوى الذي ضمّ النواب السنة في أيلول الماضي. لم يكن ذلك إلا أوّل الغيث. ويشير البعض إلى أن نائب «الجماعة» يؤكّد في مجالسه المغلقة أنّه يتعرّض لـ«رقابة لصيقة»، وأنه يُفكّر في إعلان استقالته من «الجماعة»، خصوصاً أنّه يرى أنّه يُعبّر عن أفكار القاعدة الشعبيّة التي لم تقتنع بعد بالتقارب مع حزب الله. في حين يؤكّد قياديون أنّ «خروج الحوت لم يُطرح». لا ينكر هؤلاء التباينات بين الحوت والقيادة، إلا أنّهم يعتبرون أنّها «ما زالت تحت السيطرة، وأنّ الاختلافات في الرأي تتم معالجتها بهدوء بين الطرفين».
قيادة «الجماعة» طلبت من نائب بيروت التزام سقفها بمعزل عن آرائه الشخصيّة

بالتالي، يظن هؤلاء أنّ «تمرّد» الحوت لن يكون ظاهراً للعيان، أقلّه في المدى المنظور، وإن كان ما يدغدغ أحلامه هي الفكرة التي لطالما طُرحت داخل «عائشة بكار» منذ زمن الأمين العام السابق الشيخ إبراهيم المصري (تولّى الأمانة العامة بين 2010 و2016)، وهي إنشاء حزب سياسي من رحم «الجماعة» من دون أن تكون لقيادتها الأمرة عليه، وتُترك «الجماعة» لأولوياتها الأيديولوجيّة. فكرة هذا الحزب نابعة من الشروط المفروضة على الانتماء إلى «الجماعة» والتطوّر التنظيمي في الدّاخل، إضافة إلى أنّه يفتح الباب أمام مزيد من التسويات التي لا يستطيع أصحاب العقيدة تمريرها. في المقابل، يعتبر قياديون أنّ فكرة الحزب، وإن كانت مطروحة، إلا أنها لم تنضج بعد. بالتالي، فإنّ خروج الحوت من «جلده» ليس مطروحاً في الوقت الحالي، فيما «حركته البيروتية» التي يمتلك فيها هامشاً من الحريّة لا تثير الهواجس، خصوصاً لجهة تقرّبه من الجمعيات الإسلامية في بيروت والانسجام مع مسؤوليها.
في المقلب الآخر، لا تزال «الجماعة» تستكمل انعطافتها بهدوء ومن دون أن يؤثر ذلك على قاعدتها الشعبيّة أو الأجنحة المُعارضة النابتة في داخلها. القنوات مع حزب الله تكاد تُصبح مُشرّعة، فيما لم يُسمع بعد أي خبر عن لقاء بين السيد حسن نصرالله والشيخ محمد طقوش، إذ إن الترتيبات لم تنتهِ بعد، ولو أنّ البعض يؤكّد أنّ شكل العلاقة بين الطرفين ما زال على حاله منذ عهد الأمين العام السابق الشيخ عزّام الأيوبي، أما الاختلاف الذي طرأ، فهو وضوح طقوش في التعبير عن العلاقة مع «الحزب». في حين ما زال موقف «الجماعة» من الأحداث السورية متشدّداً، ولم تؤثر فيه انعطافة «حماس».