على بالي

هذه مرحلة الهزْل والتهريج اللّبناني التقليدي. مقالات عن والد صهر ترامب تملأ الصحافة اللّبنانيّة، وافتراضات من نوع أنّ لبنان بات عروس ترامب. أذكر مقالات في «النهار » وغيرها عندما تزوّج جورج كلوني من أمل علم الدين: بعضهم افترض أنّ كلوني سيقضي صيفه في لبنان وأنّه سيظهر على البرامج الحواريّة اللّبنانيّة. التهاني لترامب من لبنان تتوالى. سامي الجميّل ونديم الجميّل وسليم الصايغ سارعوا إلى إرسال التهاني إلى ترامب ودعوته إلى المشاركة في الحرب «ضدّ أعداء الحضارة » (في رسالة سليم الصايغ. ولأنّ الصايغ كتائبي، فالأرجح أنّه يعني بها المسلمين والعرب. وصيغة الحرب ضدّ «أعداء الحضارة » هي صيغة خطاب الإسرائيليّين منذ طوفان الأقصى. طبعاً، التواؤم ليس صدفة: حزب الكتائب يتلقّى الدفوعات من إسرائيل منذ الخمسينيات، وكان لجريدة «العمل» مُشرف إسرائيلي في سنوات الحرب. الحزب تلقّى سلاحاً إسرائيليّاً قبل الرحلة في عرض البحر في عام 1976: منذ حرب 1958 وهو يتسلّح إسرائيليّاً. لكنّ مستوى الإدراك عند هؤلاء غريب: يظنّ سامي الجميّل أنّ مساعدي ترامب سيقطعون اجتماعاته ويقولون له: هناك تغريدة من صاحب كتلة نيابيّة من اثنَيْن يخاطبك عبر منصة X؟ لا، هؤلاء يظنّون أنّ ترامب يعلم من هو سامي ونديم وأمين، إلخ. هي عقدة العَظَمة الفينيقيّة التي لوّثت العقليّة السياسيّة اللّبنانيّة. جعجع وجّه رسالة إلى ترامب ذكّره فيها بالقِيم المشتركة بين حزبه وبين الدولة الأميركيّة. من بين كلّ الملفّات المطروحة أمام ترامب، كيف يمكن لعاقل أن يظنّ أنّ لبنان سيكون شاغلاً لترامب؟ طبعاً، عند الكتائبيّين هناك فرضيّة طائفيّة: إنّ المسيحيّين في لبنان يشغلون زعماء الغرب بسبب التعاطف الديني منذ أيام الصليبيّين. يجهل هؤلاء أنّ عنصر المال أقوى من عنصر التعاطف الديني عند زعماء الغرب: لماذا كان جاك شيراك أقرب إلى رفيق الحريري من أيّ زعيم لبناني آخر؟ لسبب بسيط: كان يقبض منه رشى. ولهذا، فإنّ المال النفطي أهمّ عند زعماء الغرب من الوجود المسيحي في المشرق، والذي أسهم الغرب في تطفيشهم عن منطقتنا. لكنّ الفتى الكتائبي مُصِرّ: الأرْز لا يزال «عاجق الكون».