ببطء وثبات ارتفعت أسعار النحاس العالمية اعتباراً من آذار 2020. كان سعر الرطل الواحد يبلغ 2.26 دولار في مطلع آذار 2020، وقفز إلى 4.61 دولارات في نهاية أيار 2021، أي بزيادة نسبتها 104%.


تزامن هذا المسار التصاعدي مع بداية جائحة كورونا عالمياً. فقد أدّت الجائحة إلى تعطّل جزئي في عمليات التعدين عالمياً، فانخفض إنتاج المعدن، وانخفض معه المخزون العالمي. وبالتوازي مع ذلك، ارتفع الطلب على النحاس للأسباب الآتية:
- أولاً بسبب أموال حزمات التعافي التي قدّمتها الحكومات حول العالم، والتي تركّزت في تمويل شراء السلع عوضاً عن الخدمات التي توقّفت في زمن الجائحة. والنحاس هو أحد هذه السلع الأساسية التي تدخل في أنواع متعددة من عمليات الإنتاج الصناعي.
- ثانياً، إن التحوّل الذي يشهده العالم نحو «الطاقة النظيفة» عزّز الحاجة إلى النحاس، إذ أفضى إلى اعتماد مصادر كهرباء صديقة للبيئة، مثل الطاقة الشمسية. وازدهار سوق السيارات الكهربائية والهجينة وما تحتاج له من الاعتماد الأساسي على البطاريات، التي يدخل النحاس كجزء أساسي في صناعتها، بسبب خصائص هذا المعدن المناسبة، مثل قدرة إيصال الكهرباء (conductivity) والمتانة (durability). كل ذلك أدى إلى زيادة الطلب على النحاس. بالأخص في سنة 2020 التي شهدت توسّعاً كبيراً في سوق السيارات الكهربائية، فبحسب أرقام موقع EV-volumes، شهدت سنة 2020 ارتفاعاً بنسبة 43% في مبيعات السيارات الكهربائية.
- ثالثاً، يضاف إلى ذلك، تعهدات الدول الكبرى بخفض انبعاثات الكربون الخاصّة بها، وهو ما لا يمكن أن يتحقق من دون النحاس الذي يشكّل العنصر الأساسي للطاقة البديلة. إذ تشير توقعات وكالة الطاقة الدولية، إلى أن نحو 45% من الطلب على النحاس في عام 2040 سيأتي من تقنيات الطاقة النظيفة، وهو ما يمثل ارتفاعاً بنسبة 24% عما كان يشكّله في عام 2020. وقد شهدت قمة المناخ الأميركية تصريحات من قبل عدد من الدول تضمنت وعوداً بالوصول إلى انبعاثات صفرية من الكربون، كما شهدت القمة إعادة توقيع الولايات المتحدة اتفاقية باريس للمناخ.
تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يكون مصدر 45% من الطلب على النحاس في عام 2040 من تقنيات الطاقة النظيفة

وتعهد الرئيس الصيني بشكل حاسم بخفض استهلاك الفحم في إنتاج الطاقة بدءاً من عام 2026 وكرر تأكيده بأن يكون بلده «محايداً كاربونياً» بحلول عام 2060، أي بصافي انباعاثات كربون صفري.
- رابعاً، تعدّ الخردة من أهم مصادر النحاس، إذ يمكن إعادة تدوير النحاس المستخرَج من الخردة وبيعه في السوق. تشكل الخردة مصدراً لنحو ثلث العرض العالمي من النحاس الذي يقدّر بنحو 30 مليون طن سنوياً. ويشار أيضاً إلى أن جائحة كورونا أثّرت على العرض في سوق الخردة، ولعبت دوراً في شحّ النحاس في العالم. وفي شهر تشرين الأول الماضي، أعادت الصين فتح الباب أمام استيراد الخردة، بعد أن كانت أصدرت قوانين في نهاية عام 2017 ضيّقت فيها على عملية الاستيراد. هذا الأمر أدى إلى تحوّل جزء كبير من سوق الخردة إلى الصين، وهو ما زاد من الشح في العرض العالمي.


- خامساً، من العوامل التي لعبت دوراً مهماً في رفع السعر أخيراً، الخوف المتزايد من رفع الضرائب على مبيعات النحاس في البيرو وتشيلي، وهما أكبر منتجين للنحاس في العالم. ففي حين كان مجلس النواب التشيلي قد أقرّ سابقاً قانوناً لإدخال ضريبة 3% على مبيعات النحاس المستخرَج، صوّت المجلس في أول شهر أيار الماضي على زيادة آلية ضرائب تصاعدية يصل أعلى شطر فيها إلى 75%، لكن هذا القانون يجب أن ينال موافقة مجلس الشيوخ قبل إقراره. ورغم أنه حتى لو أُقرّ فلن يتم تطبيقه قبل عام 2024، إلا أن صدوره أحدث خضّة في السوق، وأثار مخاوف على مستقبل الأسعار. وفي بيرو، التي ستشهد انتخابات رئاسية في 6 حزيران المقبل، أضاف المرشح اليساري بيدرو كاستيو إلى برنامجه الانتخابي فرض ضريبة على مبيعات النحاس المستخرج تشبه الضريبة التي أقرّتها تشيلي.
- سادساً، جاء الإضراب الذي ينفّذه عمال شركة BHP التشيلية الذين يعملون في منجم «إسكونديدا»، أكبر منجم نحاس في العالم ليزيد الطين بلة، ما أدّى إلى تزايد المخاوف من انخفاض العرض في السوق، وساهم في رفع السعر أيضاً.
- سابعاً، يعاني قطاع تعدين النحاس أصلاً من النقص في اكتشاف مناجم جديدة. فوفقاً لتقرير صادر عن شركة S&P، تم في العقد الماضي اكتشاف 8% فقط، بالنسبة إلى نحو 8 مليارات طن من موارد النحاس المكتشفة منذ 1990 حتى اليوم. وذلك رغم الزيادة في الإنفاق على الاستكشاف بين 2009-2019 بنسبة 68% مقارنة مع العقد الذي سبق تلك الفترة. علماً بأن بدء الإنتاج قد يستغرق حتى 20 عاماً بعد اكتشاف أي منجم، فإن هذا النقص في الاكتشافات يمثّل أزمة على المدى الطويل في ما يخص عرض النحاس في السوق.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا

تابع «رأس المال» على إنستاغرام