هل تواجه المصارف حالة إفلاس؟ السؤال بات ضرورياً، انطلاقاً من العلامات التي بدأت تشير إلى أن المصارف تواجه أزمة غير مسبوقة عبر أربعة مسارات؛ علاقتها المتدهورة مع الزبائن، طلب مصرف لبنان زيادة رساميلها، اعتراضات مدققي الحسابات على رفض المصارف تطبيق المعيار المحاسبي IFRS9، ارتفاع معدلات التعثّر في تسديد القروض
■ منذ فتح أبواب المصارف بعد إغلاقها في 17 تشرين الأول، اشتدّت القيود على عمليات السحب والتحويل التي فرضتها المصارف بشكل استنسابي وغير قانوني بالتنسيق مع مصرف لبنان، إلى أن بلغت مستوى حادّاً ومقلقاً يثير الشكوك بقدرة المصارف على تلبية طلبات الزبائن، وخصوصاً الرواتب الموطّنة التي يتم تقسيطها لأصحابها. سقف السحب النقدي بالدولار انخفض إلى 100 دولار لدى بعض المصارف يومياً و500 دولار أسبوعياً وربما أقل. أما سقف السحب النقدي بالليرة فبدأ ينخفض أيضاً إلى أقل من 500 ألف ليرة يومياً وبحدود أسبوعية وشهرية ضيّقة. القيود خلقت طلباً هائلاً على الليرة اللبنانية ما ضغط على سيولة المصارف ودفع فائدة الانتربنك (فائدة الاقتراض بين مصرف وآخر) إلى الارتفاع من 8% ما قبل الأزمة، إلى أكثر من 100%. هذا الارتفاع يعكس شحّاً في سيولة المصارف بالليرة، وطلباً كبيراً على الدولارات، ولا سيما الدولارات النقدية، فالناس يحاولون الحفاظ على قدرتهم الشرائية من خلال شراء الدولارات من الصرافين وتخزينها في المنازل. وقد فرض هذا الواقع على المودعين اللجوء إلى الدعاوى القانونية للمطالبة بأموالهم، وقد فاز بعضهم بهذه الدعاوى، لكن القضاء كعادته لجأ إلى حماية الفئات الأكبر وباشر بتعليق البتّ بالدعاوى. بعض الدعاوى الكبيرة على المصارف من الخارج قد تؤدي إلى إفلاسها.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره


■ في 4 تشرين الثاني الماضي، أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تعميماً يفرض على المصارف زيادة رساميلها بنسبة 20% عبر مقدمات نقدية بالدولار، ويمنعها من توزيع الأرباح. الزيادة على الرساميل قسمت مناصفة كالآتي: 10% قبل نهاية السنة الجارية، و10% قبل نهاية حزيران 2020. قيمة المقدمات المطلوبة من القطاع بحسب «ميريل لينش» تبلغ 3.8 مليار دولار (1.9 مليار دولار في كل مرحلة)، فيما مهلة المصارف للزيادة الأولى بدأت تنتهي. «ليس واضحاً أن كل المصارف ستتمكن من الالتزام بها» تقول «ميريل لينش». فهذا المبلغ يعدّ كبيراً خلال مهلة زمنية قصيرة نسبياً على مساهمي المصارف لاتّخاذ قرار يتعلق بإنقاذ مؤسّسات بات مشكوكاً بقدرتها على الاستمرار، فضلاً عن كلام متزايد عن رغبة بعض المصارف في الإفلاس وتحميل مصرف لبنان أعباء الخسائر المتراكمة في ميزانياتها «لأن كل أموال المودعين لديه» يقول أحدهم. هؤلاء المساهمون حققوا الكثير من الأرباح في السنوات الماضية، واليوم يريدون النفاد بكل ما جنُوه من المال العام.

■ تزداد صعوبة زيادة الرساميل بحسب تعميم مصرف لبنان انطلاقاً من المسألة المتعلقة باعتراضات مدققي الحسابات على المؤونات التي يتوجب على المصارف اتّخاذها في إطار تطبيق المعيار المحاسبي IFRS9. فهذا المعيار يفرض على المصارف، عندما تزداد مخاطر التوظيفات أو القروض، كما في حالة توظيفاتها في الديون السيادية لدى الخزينة ومصرف لبنان وارتفاع احتمالات حصول إعادة هيكلة، أن تصنّف هذه الأصول في «المرحلة الثانية» من الديون المشكوك بتحصيلها، وبالتالي صار لزاماً عليها أن تأخذ مؤونات بنسبة 45% من قيمتها. مصدر القلق الأساسي يكمن في توظيفات المصارف بالعملات الأجنبي. لديها شهادات إيداع صادرة عن مصرف لبنان بالدولار بقيمة 22.7 مليار دولار، ولديها 14.7 مليار مستثمرة في سندات الخزينة اللبنانية بالعملة الأجنبية (يوروبوندز)، ولديها أيضاً ودائع بالدولار لدى مصرف لبنان تقدّر بنحو 46 مليار دولار منها 20 ملياراً احتياطات الزامية. المؤونات المترتبة على هذا المستوى من التصنيف للأصول، تصل إلى 29 مليار دولار، أي ما يعادل مرة ونصف قيمة رساميل المصارف البالغة 20 مليار دولار، وهو حتماً يتجاوز أرباحها بأضعاف. المصارف تتصارع مع مدققي الحسابات حول قدرتها على اتّخاذ هذه المؤونات، وفي المقابل يلا يرى المدققون أن أماهم خياراً سوى القول أن هذه الميزانيات لا تعبّر عن الواقع الحقيقي. ورغم أنه بإمكان مصرف لبنان تعليق العمل بتطبيق التعميم رقم 143 الذي فرض على المصارف تطبيق المعيار المحاسبي IFRS9 اعتباراً من مطلع 2018، إلا أن ذلك يعني إثارة المزيد من الشكوك بقدرة المصارف على الاستمرار.

■ يتزامن كل هذا، مع ارتفاع كبير في القروض المتعثّرة والمؤونات المقابلة لها. ففي حزيران 2019 بلغت قيمة القروض المصنّفة في المرحلة الأولى والثانية من التعثّر (التصنيف يفرضه المعيار المحاسبي IFRS9) في مصارف ألفا التي تمثّل 85% من مجمل القروض للقطاع الخاص المقيم والعائدة لأكبر 16 مصرفاً في لبنان، 3.6 مليار دولار ما اضطر المصارف أن تأخذ مؤونات مقابل الخسارة المحتملة فيها بنسبة 45% وبقيمة 1.65 مليار دولار (تحتسب هذه المؤونات على مقارنة مع القروض الإجمالية قبل حسم قيمة الفوائد). أما القروض المصنّفة في المرحلة الثالثة من التعثّر (المرحلة الأخيرة قبل الشطب)، فهي تبلغ 6.43 مليار دولار وتوازي 11.99% من القروض الإجمالية لهذه المصارف (تحتسب على أساس القروض الصافية بعد حسم قيمة الفوائد). نسبة التعثّر في القروض لدى مصارف «ألفا» تبلغ 10 مليارات دولار، أي بنسبة 16.7% من القروض الإجمالية. التعّثّر والتوقف عن السداد ازداد بوتيرة متسارعة في النصف الثاني من السنة الجارية. بعض التقديرات تشير إلى ان التعثّر زاد عن الـ20%.