بدأ الناخبون في دائرة الشوف - عاليه بالتوافد إلى صناديق الاقتراع منذ لحظة فتحها. لم يكن التجاوب مع دعوة الرئيس سعد الحريري إلى المقاطعة على قدر التوقعات، ولو أن نسبة الاقتراع لم تتعدّ 50% وجاءت قريبة من نسبة الاقتراع في انتخابات 2018 عندما كان تيار المستقبل مشاركاً في المعركة.في برجا وشحيم، حيث الثقل السنّي (أكثر من 17 ألف ناخب في كل منها)، ومسقط رأس المرشحين الأربعة على لائحة «الشراكة والإرادة» و«لائحة الجبل»، لامست نسبة الاقتراع 50%، علماً بأن المعركة سياسية في برجا وعائليّة في شحيم.
منذ ساعات الصباح الأولى، كانت ماكينة الحزب التقدمي الاشتراكي جاهزة في كل المناطق السنّية. باصات نقل الناخبين رُكنت في الساحات، فيما طغى اللون الأحمر داخل مراكز الاقتراع، و«نغل» مندوبون متجوّلون للائحة «الشراكة والإرادة» بين الأقلام. مع ذلك، لم تكن الماكينة المركزية مرتاحة للوضع مقارنةً مع معركة 2018. على عكس التزام عدد كبير من مسؤولي تيار المستقبل بالمقاطعة، توزّع معظم أنصار التيار على معظم اللوائح. نسبة كبيرة منهم صوّتت لمرشحي «الشراكة والإرادة» لـ«منع وئام وهاب من الدخول إلى مناطقنا»، فيما قال البعض إنه صوّت لوهّاب «نكاية بسمير جعجع وشريكه وليد جنبلاط اللذين طعنا الرئيس الحريري». غير أن العدد الأكبر منهم، على ما يبدو، صوّتوا للائحة «توحّدنا للتغيير»، وتحديداً للمرشحَين حليمة القعقور (بنسبة أعلى) وعماد سيف الدين. وهذا ما جعل أسهم بلال عبد الله منخفضة كما بدا واضحاً في شحيم ودلهون ومزبود وكترمايا... وتقدّمت القعقور على مرشحي «الشراكة والإرادة» في عدد من البلدات، ومنها مزبود وبعاصير ودلهون وحارة الناعمة (أكثر من 600 صوت من أصل 1300).
مرشح «جمعية المشاريع الخيريّة» أحمد نجم الدين استفاد من كونه ابن عائلة عبد الله، وتمكّن من استمالة الكثير من الناقمين من داخل العائلة على أداء بلال عبد الله من دون أن يكونوا هؤلاء محسوبين على «الجمعية»، أو حتّى قريبين من خصوم الحريري، باعتبار أنّ مناصري وهّاب وسرايا المقاومة عملوا لمصلحة مرشحهم، وكان الهدف واضحاً بأن يقفز وهّاب عن الـ 600 صوت في شحيم وحدها. أما عائلة الحجار فصوّتت بغالبيّتها لمصلحة مرشح العائلة محمّد سامي الحجّار كما تبدّى داخل أقلام شحيم.
أمّا في برجا، فإنّ الجديد فيها كان دخول النائب مروان حمادة إليها من خلال بعض مسؤولي تيار المستقبل ومسؤول بنك البحر الأبيض المتوسط سابقاً ومستشار بهاء الحريري السابق جميل بيرم، وتردّد أنّ هؤلاء دفعوا أموالاً طائلة لحصول حمادة على أصوات تفضيليّة في البلدة، ما أزعج المرشح على لائحة «الشراكة والإرادة» سعد الدين الخطيب الذي زار المختارة شاكياً من «تقشيطه» الأصوات التفضيليّة من داخل بلدته لمصلحة حمادة وعبد الله، وخصوصاً أن النائب السابق علاء الدين ترو بدا أمس غير قادر على ضبط الساحة البرجاوية، فيما يقول البعض إنه تقصّد ذلك كي لا يحل الخطيب محلّه. ورغم أن ماكينته كانت كبيرة (أكثر من 100 مندوب)، إلا أن الرجل خسر في أقل من 48 ساعة الكثير من قاعدته الشعبيّة التي بناها بالإيهام بأنه مرشح الحريري على لائحة جنبلاط. وما قلب حسابات الخطيب كان كلمة ألقاها في أحد اللقاءات فهم منها أنه وصف الحريري بأنه «صغير»، ما دفع دائرة برجا في المستقبل إلى إصدار بيان باسم «المستقبليين الصغار»، أكّدت فيه: «نحن كبار بالتزامنا بقرار الحريري، أما الصغار فهم الانتهازيون والوصوليون وناقلو البندقية من كتف إلى كتف، ومختلقو الأكاذيب للحصول على أصوات الكبار...». وفيما تعرّضت صور الخطيب في برجا للتمزيق والتشويه، حاول الرجل قدر الإمكان في الساعات الأخيرة توضيح موقفه والاعتذار من جمهور الحريري.
في المقابل، جيّر اللواء علي الحاج أصواته لمصلحة وهاب. عمل «أبو صلاح» على التأكّد من إدلاء الناخبين المحسوبين عليه بأصواتهم «لإسقاط رئيس عصابة شهود الزور (حمادة)». وقد عمل الحاج بجهد كي يحصل وهّاب على أكثر من ألف صوت داخل البلدة. فيما بدت ماكينة «لائحة الجبل» في إقليم الخروب كأنّها متخاصمة وليست متحالفة. إذ كان كل من المرشحين يغنّي على ليلاه ويحاول الغرف من صحون حلفائه.

الجماعة
ورغم أنّ الجماعة الإسلامية خاضت انتخاباتها للمرة الأولى في الإقليم، إلا أن ماكينتها بدت منظّمة. لكنها تلقّت ضربة من حلفائها الذين وعدوها بأرقامٍ لم تحصل عليها. لم تأت الصدمة من المرشحة على لائحة «سيادة وطن» دعد القزي التي «استفادت» من حادثة الاعتداء عليها في برجا قبل ساعات من فتح صناديق الاقتراع، وإنما من رئيس جمعية بيروت للتنمية الاجتماعية أحمد هاشمية. إذ يردّد بعض مسؤولي الجماعة أنّ الأخير نكث بوعده للقزي بدعمها بمفاتيح انتخابية يُمكن أن تجيّر لها 3 آلاف صوت، إلا أنّه نكث بوعده، ما ارتدّ على الجماعة سلباً وأعاق وصولها إلى الحاصل.

القرى الدرزية
في القرى الدرزية، كان الإقبال الاشتراكي كثيفاً. خطاب «الاغتيال» الذي وجّهه جنبلاط إلى قواعده أتى بنتيجة. هذا ما يمكن سماعه من المقترعين داخل أقلام الاقتراع في القرى الدرزية. «لن نسمح بأن يهدد وهّاب زعامة المختارة»، تقول أحداهنّ، ليردّ عليها مقترع ثانٍ: «سيأكلنا الإيرانيون في حال أدخلنا وئام وهّاب إلى الجبل».
لا ينكر هؤلاء أن خطاب شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبو المنى رفع جهوزيتهم «دفاعاً عن الزعامة الجنبلاطية»، فيما يقول آخرون إنّه أثار نوعاً من الانشقاق لدى المشايخ الذين اعتبروا أن أبو المنى جعل من المعارضين لجنبلاط «أهل ذمة».
حزب الله يلتزم بوهّاب وأمل تركت الحريّة لمناصريها وقعقور تتقدّم على عبد الله في قرى سنّية


المشهد نفسه في بعقلين وبيت الدين والمختارة وسائر القرى الشوفية. ماكينة «الشراكة والإرادة» تقوم بدورها على أكمل وجه. فهي ترى أنّ الغلبة لها في وجود أكثر من 23 ألف صوت مضمونين لها في الجبل يمكن أن تقسّمهم بأريحيّة بين تيمور جنبلاط ومروان حمادة، وتجيير أكثر من 1500 للمرشحة على المقعد الماروني حبوبة عون، مقابل أقل من 7 آلاف لوهاب. يلفت هؤلاء إلى أنّ رئيس حزب التوحيد العربي يستدعي الدروز القاطنين في سوريا للتصويت له «بالتهديد أو أقلّه تأثراً بالنظام السوري». وهو ما ينكره وهّاب الذي كان أمس ينتظر نتيجة عمله على مدى 4 سنوات. جال وهّاب في القرى الشوفية، فيما زواره وماكينته يجلسون على مائدته في الجاهلية لتناول الشاورما الموضوعة على طاولة خشبية كبيرة في زاوية في حديقة المنزل. لم يرد المقربون منه استباق النتيجة، مكتفين بأنها «ستكون صادمة لوجود شريحة صامتة ستعبّر عن رأيها»، بالإضافة إلى وجود مسيحيين يريدون تحقيق التوازن داخل الجبل من خلال رئيس حزب التوحيد العربي باعتبار أن التجربة لم تنجح بإدارة جنبلاط.

القوات والعونيون
في كلّ القرى المسيحيّة، ترفرف أعلام القوات اللبنانيّة فوق المراكز الانتخابية. حزب سمير جعجع مرتاح. صحيح أن الأرقام التي تقدّمها ماكينته مبالغ فيها، إلا أنهم متأكدون من أن الحاصل والأصوات التفضيليّة لمرشحه جورج عدوان ما زالت «في الجيب».
مع ذلك، لم تخل الساحة القواتية من بعض الإشكالات. هذا ما بدا واضحاً في الدامور. ماكينة خاصة بالقوات وأُخرى تابعة للمرشح الذي تدعمه إيلي قرداحي. علم قرداحي قبل ساعات من بدء الانتخابات بطعنة أتته من القوات وآل الغفري الذين يتحكمون برئاسة بلدية الدامور منذ عقود، إذ وصل إلى مسامعه أنّ رئيس البلدية والمحسوبين عليه سيصبّون لمصلحة المرشح فريد البستاني. وهذا ما دفعه إلى التهديد بأنه سيخوض الانتخابات البلدية في وجههم بعد إقفال صناديق الاقتراع مباشرةً. وهذا أيضاً ما جعله يُسرع إلى الاتصال بخصم الغفري وابن شقيق المرشح السابق للبلدية طوني العمّار، إلا أن الأخير لم يلبّ استغاثة قرداحي. إذ إن العمّار وجّه فريقه من تحت الطاولة للتصويت لمصلحة المرشحة على لائحة «توحّدنا للتغيير» ابنة البلدة نجاة عون التي تمكّنت أيضاً من استمالة الكثير من آل عون الدوامرة الذين غُيّبوا عن اللوائح أيضاً للمرة الأولى منذ أكثر من 60 عاماً.
في المقابل، كان العونيون أكثر اطمئناناً لفوز غسان عطا الله، ما دفع النائب فريد البستاني إلى زيارة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل طالباً منه أن يجيّر قسماً من أصوات التيار لمصلحته، لشعوره بأنّه لن يتمكن من القفز عن الرقم الذي سيحصل عليه ابن بلدته ناجي البستاني. وفعلاً، أعطى باسيل إيعازاً إلى ماكينته الانتخابية بتجيير أكثر من ألف صوت عوني لمصلحة فريد. فيما اتّهمت الماكينات الانتخابية، بما فيها ماكينة الحلفاء، فريد البستاني بشراء الأصوات علناً في المناطق السنية.

القرى الشيعية
الزخم في المناطق الشيعيّة بدا خافتاً. أنصار حزب الله التزموا بوهّاب بأكثر من 2000 صوت، إضافة إلى المحسوبين على سرايا المقاومة في المناطق السنّية. في المقابل، فإنّ حركة أمل «حيّرتنا»، تقول بعض الماكينات الانتخابية التابعة لـ«لائحة الجبل»، إذ يتردّد أنّ أمل وعدت فريد البستاني قبل أن تنقلب على الاتفاق وتعطي وعداً لجمعية المشاريع مقابل الحصول على أصوات الجمعية في بعلبك – الهرمل (أكثر من ألف)، قبل أن تنكث بوعدها مرة ثانية وتتعهّد بأن تكون أصواتها (أقل من 900) في المناطق الشيعية في الشوف لمصلحة ناجي البستاني.
ومع أن الوعد لناجي البستاني أتى في الأسبوع الأخير، إلا أنه تغيّر أيضاً في يوم الانتخابات، بعدما ألزمت أمل مسؤوليها بالانتخاب لمصلحة البستاني وتركت الحرية لمناصريها بالاختيار.
ويردّد مسؤولو أمل أن هذا الأمر حصل «بعدما شعرنا بأن قاعدتنا الشعبية لن تتقبّل فريد البستاني، فوقع الاختيار على شخصية وسطية هو ناجي البستاني، ولكن وقعنا في أزمة أُخرى هو أن جزءاً من مناصرينا يريد انتخاب وهاب. وكي لا تخرج الأمور عن السيطرة، تركنا حرية الاختيار لهم».