الاقتصاد التشاركي والتكنولوجيا عودة إلى المقايضة والربح القليل
مع تطور قطاعي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات منذ مطلع الألفية الثالثة، أحكم النظام الرأسماليّ سيطرته على أدوات الإنتاج ووسائل تصريفه، فراح يبتدع لنا حاجاتٍ ليروّج منتَجاته على أنّها الحلّ الحتميّ لها.
وفي الوقت الذي نشهد طفرةً تكنولوجيةً هائلةً جعلت عالمنا يتشابك من خلال وسائل الاتّصال المتقدّمة، يبدو أنّ العادات القديمة والتقليدية باتت تجد لها مكاناً كحلٍّ للحدّ من أضرار النمط الاستهلاكيّ.
في هذا الإطار، ولد ما بات يُعرَف منذ مطلع الألفية الثالثة بالاقتصاد التعاونيّ أو التشاركيّ collaborative economy، وهو نظام اجتماعيّ - اقتصاديّ يقوم على تشارك الموارد والأصول البشرية والمادّية بين مختلف الأفراد والمؤسّسات الخاصّة والعامّة، بهدف توفير المال وترشيد استهلاك الموارد والحدّ من التلوّث وتشجيع الناس على التواصل.
يرجع هذا النوع القديم - الجديد من الاقتصاد إلى التقاليد التي كانت متّبعة في المجتمعات الزراعية كالمقايضة والربح القليل والتعاون بعيداً عن الفردية، يتشارك الناس ويتبادلون أغراضهم التي لم يعودوا في حاجةٍ إليها وقد يحتاجها سواهم؛ أو خبراتهم، عبر تخصيص وقتٍ لتعليم وتثقيف أشخاصٍ لمساعدتهم في مسألةٍ أو عملٍ ما أو لتوعيتهم حول قضيةٍ مهمّة؛ أو التمويل الجماعيّ لفكرةٍ أو برنامجٍ أو نشاطٍ ما، عبر منصّات مخصّصة لهذا الأمر؛ أو المساحات التي يشغلونها، من خلال تأجير بعضها أو مشاركتها مجّاناً (غرفة في شقّة سكنية أو مساحة في محلٍّ تجاريّ أو مكتب عمل، أو حتّى توصيلة في السيارة)؛ وقد تُشارك الحكومات مواطنيها أيضاً، سواء كانوا أفراداً أو مؤسّسات، بالمعلومات والدراسات والإحصاءات التي تملكها ما يسهّل الكثير من الأمور بالإضافة إلى ضمان الحقّ في الوصول إلى المعلومات.
وبالرغم من أنّ الهواتف المحمولة الذكية قد تكون أكبر مثالٍ عن النمط الاستهلاكيّ المكثّف للأفراد، إلّا أنّها تلعب إلى جانب الإنترنت دوراً كبيراً في تعزيز مفهوم الاقتصاد التعاونيّ. فبحسب شركة "غارتنر" Gartner الأميركية للأبحاث المتعلّقة بتقنية المعلومات، شهد عام 2014 وحده بيع أكثر من 1.2 مليار هاتفٍ ذكيٍّ حول العالم، بزيادة بلغت 28.4% عن عام 2013.
وفي إحصائياتٍ لموقع "إنترنت وورلد ستاتس"، ارتفع عدد مستخدمي الإنترنت عالمياً إلى 3 مليارات، أي أكثر من 43% من سكّان الأرض. ناهيك عن تجاوز حجم المبيعات عبر الإنترنت في العالم نهاية عام 2014 لـ2 تريليون دولار، وهو يرتفع كلّ عامٍ بشكلٍ سريع عالمياً وإقليمياً حتّى؛ حيث بلغت نسبة الأفراد الذين اشتروا بضائع وخدمات عبر الإنترنت 1% في تونس، و17% في قطر، و14% في الإمارات العربية المتحدة، و6% في عمان، مقارنةً بـ70% في المملكة المتحدة وغيرها من البلدان المتقدمة، وفقاً لتقرير الإسكوا الذي ورد في ندوة "اقتصاد المعرفة 2015".
نتيجةً لذلك، نشأت تطبيقاتٌ تلبّي مختلف الحاجات فنجحت عالمياً، مثل "إر بي أن بي" AirBNB لتأجير وتبادل وتشارك الغرف والشقق في مختلف أنحاء العالم والذي اشتهر بعد الأزمة المالية العالمية، حتّى باتت قيمته السوقية تناهز 2.5 مليار دولار. و"زيب كار" ZipCar الذي يسمح بتأجير أو مشاركة السيارة بدلاً من شرائها. أضف إليها تطبيق "كوكينينغ" Cookening الذي انتشر بسرعةٍ في أوروبا والولايات المتّحدة، وهو يتيح تشارك وجبات الطعام في البيوت والأماكن المختارة للزوّار والسوّاح وسواهم، بأسعارٍ تنافسية وحتّى بالمجّان أحياناً.
ولا ننسى أن نذكر منصّة التمويل الجماعيّ العالمية "كيكستارتر" KickStarter، التي كانَت رائدةً في هذا المجال منذ انطلاقتها عام 2009. وهناك منصّات وتطبيقات كثيرة تدخل ضمن نطاق الاقتصاد التعاونيّ لا مجال لذكرها، تعنى بتشارك أمورٍ مختلفة مثل الأجهزة والحاجيات المستعملة والدرّاجات والتعليم والسيارات الخاصّة وسيارات الأجرة وكلّ ما يتّصل بالاستفادة من الموارد التي ذكرناها أعلاه. وبالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فهي ما لبثت أن دخلت ضمن هذا الاقتصاد التعاونيّ، خصوصاً أنّها تشهد كثافةً سكانيةً عاليةً تترافق مع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وما يتشعّب عنها. وذلك بالإضافة إلى انتشار مفهوم ريادة الأعمال الاجتماعية، ما ساعد في توفير التمويل للشركات الناشئة التي تريد حلّ مشكلةٍ ما عبر توفير حلولٍ تتلاءم والطفرة الكبيرة في انتشار الإنترنت والهواتف الذكية في المنطقة.
ومن أشهر التطبيقات إقليمياً، نشير إلى منصّات التمويل الجماعيّ مثل "ذومال" Zoomal اللبنانية للمشاريع التي لا تحتاج إلى مبالغ كبيرة، و"يوريكا" Eureca في دبي التي كانت أوّل منصّة عالمية تقدّم تمويلاً جماعياً مقابل الأسهم.
وفي وقتٍ تعتبر مشكلة النقل أبرز ما نعانيه في المنطقة، حيث قدّرت دراسةٌ للبنك الدوليّ خسائر الناتج القوميّ في مصر نهاية عام 2012 جرّاء ازدحام السير بنحو 56 مليار جنيه مصري، أي ما يوازي 8 مليارات دولار، اتّجهت شركاتٌ ناشئةٌ للعمل على حلّ أزمة المرور المستعصية، مثل "باص بولينغ" Buspooling في مصر، التي تعمل على نقل الركّاب من موظّفين وطلّاب إلى أماكن عملهم ودراستهم بأسعارٍ مدروسة. توازيها شركة "كاربولينغ آرابيا" CarPooling Arabia في الإمارات، وهي تعمل على دفع الأشخاص لتشارك سيّاراتهم ومصاريفها، ما يقلّل من عدد السيارات على الطرقات وبالتالي من زحمة السير.
أضف إلى ذلك، بات ينتشر في المنطقة ما يعرف بمساحات العمل المشتركة Coworking Spaces، وهي توفّر مكاتب مجهّزة وصديقة للابتكار بأسعارٍ معقولة، مثل "منطقة بيروت الرقمية" BDD و"آلت سيتي" ِAltCity في لبنان، و"كوجيت" Cogite في المغرب و"ذا ديستريكت" The Districr و"المقرّ" في مصر، و"إمباكت هاب" Impact Hub في دبي. وبالفعل، لا يمكن حصر الشركات الناشئة التي أدركت سريعاً فرصة الاستثمار في الاقتصاد التعاونيّ في الأسواق الناشئة أكثر من سواها.
باتت الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم تولّد حالياً 50% من الوظائف التي تستحدث حول العالم، بحسب مؤسّسة التمويل الدولية، ويبدو أنّها تتّجه لتحلّ محلّ الدولة في ما يتعلّق بالخدمات والحلول، ومحلّ المصارف بالنسبة للقروض، ومحلّ أي مزوّد تقليديٍّ للخدمات والسلع.
وفيما ينزع معظمها للتوجّه نحو الاقتصاد التعاونيّ، بالرغم من حسناته، يبقى أن نشير إلى أنّ هذه الشركات تُموّل في بعض الأحيان من قبل شركاتٍ كبرى أو رأسماليين كبار، أو تتوسّع لتصبح شركةً كبرى في ما بعد. وعندها، نكون قد عدنا إلى الدائرة الأولى من الشركات متعدّدة الجنسيات التي تستفيد من النظام الرأسماليّ لتعزّز أرباحها الناجمة عن احتكار المنتَجات من خدماتٍ وسلع.
وفي الوقت الذي نشهد طفرةً تكنولوجيةً هائلةً جعلت عالمنا يتشابك من خلال وسائل الاتّصال المتقدّمة، يبدو أنّ العادات القديمة والتقليدية باتت تجد لها مكاناً كحلٍّ للحدّ من أضرار النمط الاستهلاكيّ.
في هذا الإطار، ولد ما بات يُعرَف منذ مطلع الألفية الثالثة بالاقتصاد التعاونيّ أو التشاركيّ collaborative economy، وهو نظام اجتماعيّ - اقتصاديّ يقوم على تشارك الموارد والأصول البشرية والمادّية بين مختلف الأفراد والمؤسّسات الخاصّة والعامّة، بهدف توفير المال وترشيد استهلاك الموارد والحدّ من التلوّث وتشجيع الناس على التواصل.
يرجع هذا النوع القديم - الجديد من الاقتصاد إلى التقاليد التي كانت متّبعة في المجتمعات الزراعية كالمقايضة والربح القليل والتعاون بعيداً عن الفردية، يتشارك الناس ويتبادلون أغراضهم التي لم يعودوا في حاجةٍ إليها وقد يحتاجها سواهم؛ أو خبراتهم، عبر تخصيص وقتٍ لتعليم وتثقيف أشخاصٍ لمساعدتهم في مسألةٍ أو عملٍ ما أو لتوعيتهم حول قضيةٍ مهمّة؛ أو التمويل الجماعيّ لفكرةٍ أو برنامجٍ أو نشاطٍ ما، عبر منصّات مخصّصة لهذا الأمر؛ أو المساحات التي يشغلونها، من خلال تأجير بعضها أو مشاركتها مجّاناً (غرفة في شقّة سكنية أو مساحة في محلٍّ تجاريّ أو مكتب عمل، أو حتّى توصيلة في السيارة)؛ وقد تُشارك الحكومات مواطنيها أيضاً، سواء كانوا أفراداً أو مؤسّسات، بالمعلومات والدراسات والإحصاءات التي تملكها ما يسهّل الكثير من الأمور بالإضافة إلى ضمان الحقّ في الوصول إلى المعلومات.
وبالرغم من أنّ الهواتف المحمولة الذكية قد تكون أكبر مثالٍ عن النمط الاستهلاكيّ المكثّف للأفراد، إلّا أنّها تلعب إلى جانب الإنترنت دوراً كبيراً في تعزيز مفهوم الاقتصاد التعاونيّ. فبحسب شركة "غارتنر" Gartner الأميركية للأبحاث المتعلّقة بتقنية المعلومات، شهد عام 2014 وحده بيع أكثر من 1.2 مليار هاتفٍ ذكيٍّ حول العالم، بزيادة بلغت 28.4% عن عام 2013.
وفي إحصائياتٍ لموقع "إنترنت وورلد ستاتس"، ارتفع عدد مستخدمي الإنترنت عالمياً إلى 3 مليارات، أي أكثر من 43% من سكّان الأرض. ناهيك عن تجاوز حجم المبيعات عبر الإنترنت في العالم نهاية عام 2014 لـ2 تريليون دولار، وهو يرتفع كلّ عامٍ بشكلٍ سريع عالمياً وإقليمياً حتّى؛ حيث بلغت نسبة الأفراد الذين اشتروا بضائع وخدمات عبر الإنترنت 1% في تونس، و17% في قطر، و14% في الإمارات العربية المتحدة، و6% في عمان، مقارنةً بـ70% في المملكة المتحدة وغيرها من البلدان المتقدمة، وفقاً لتقرير الإسكوا الذي ورد في ندوة "اقتصاد المعرفة 2015".
نتيجةً لذلك، نشأت تطبيقاتٌ تلبّي مختلف الحاجات فنجحت عالمياً، مثل "إر بي أن بي" AirBNB لتأجير وتبادل وتشارك الغرف والشقق في مختلف أنحاء العالم والذي اشتهر بعد الأزمة المالية العالمية، حتّى باتت قيمته السوقية تناهز 2.5 مليار دولار. و"زيب كار" ZipCar الذي يسمح بتأجير أو مشاركة السيارة بدلاً من شرائها. أضف إليها تطبيق "كوكينينغ" Cookening الذي انتشر بسرعةٍ في أوروبا والولايات المتّحدة، وهو يتيح تشارك وجبات الطعام في البيوت والأماكن المختارة للزوّار والسوّاح وسواهم، بأسعارٍ تنافسية وحتّى بالمجّان أحياناً.
ولا ننسى أن نذكر منصّة التمويل الجماعيّ العالمية "كيكستارتر" KickStarter، التي كانَت رائدةً في هذا المجال منذ انطلاقتها عام 2009. وهناك منصّات وتطبيقات كثيرة تدخل ضمن نطاق الاقتصاد التعاونيّ لا مجال لذكرها، تعنى بتشارك أمورٍ مختلفة مثل الأجهزة والحاجيات المستعملة والدرّاجات والتعليم والسيارات الخاصّة وسيارات الأجرة وكلّ ما يتّصل بالاستفادة من الموارد التي ذكرناها أعلاه. وبالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فهي ما لبثت أن دخلت ضمن هذا الاقتصاد التعاونيّ، خصوصاً أنّها تشهد كثافةً سكانيةً عاليةً تترافق مع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وما يتشعّب عنها. وذلك بالإضافة إلى انتشار مفهوم ريادة الأعمال الاجتماعية، ما ساعد في توفير التمويل للشركات الناشئة التي تريد حلّ مشكلةٍ ما عبر توفير حلولٍ تتلاءم والطفرة الكبيرة في انتشار الإنترنت والهواتف الذكية في المنطقة.
ومن أشهر التطبيقات إقليمياً، نشير إلى منصّات التمويل الجماعيّ مثل "ذومال" Zoomal اللبنانية للمشاريع التي لا تحتاج إلى مبالغ كبيرة، و"يوريكا" Eureca في دبي التي كانت أوّل منصّة عالمية تقدّم تمويلاً جماعياً مقابل الأسهم.
وفي وقتٍ تعتبر مشكلة النقل أبرز ما نعانيه في المنطقة، حيث قدّرت دراسةٌ للبنك الدوليّ خسائر الناتج القوميّ في مصر نهاية عام 2012 جرّاء ازدحام السير بنحو 56 مليار جنيه مصري، أي ما يوازي 8 مليارات دولار، اتّجهت شركاتٌ ناشئةٌ للعمل على حلّ أزمة المرور المستعصية، مثل "باص بولينغ" Buspooling في مصر، التي تعمل على نقل الركّاب من موظّفين وطلّاب إلى أماكن عملهم ودراستهم بأسعارٍ مدروسة. توازيها شركة "كاربولينغ آرابيا" CarPooling Arabia في الإمارات، وهي تعمل على دفع الأشخاص لتشارك سيّاراتهم ومصاريفها، ما يقلّل من عدد السيارات على الطرقات وبالتالي من زحمة السير.
أضف إلى ذلك، بات ينتشر في المنطقة ما يعرف بمساحات العمل المشتركة Coworking Spaces، وهي توفّر مكاتب مجهّزة وصديقة للابتكار بأسعارٍ معقولة، مثل "منطقة بيروت الرقمية" BDD و"آلت سيتي" ِAltCity في لبنان، و"كوجيت" Cogite في المغرب و"ذا ديستريكت" The Districr و"المقرّ" في مصر، و"إمباكت هاب" Impact Hub في دبي. وبالفعل، لا يمكن حصر الشركات الناشئة التي أدركت سريعاً فرصة الاستثمار في الاقتصاد التعاونيّ في الأسواق الناشئة أكثر من سواها.
باتت الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم تولّد حالياً 50% من الوظائف التي تستحدث حول العالم، بحسب مؤسّسة التمويل الدولية، ويبدو أنّها تتّجه لتحلّ محلّ الدولة في ما يتعلّق بالخدمات والحلول، ومحلّ المصارف بالنسبة للقروض، ومحلّ أي مزوّد تقليديٍّ للخدمات والسلع.
وفيما ينزع معظمها للتوجّه نحو الاقتصاد التعاونيّ، بالرغم من حسناته، يبقى أن نشير إلى أنّ هذه الشركات تُموّل في بعض الأحيان من قبل شركاتٍ كبرى أو رأسماليين كبار، أو تتوسّع لتصبح شركةً كبرى في ما بعد. وعندها، نكون قد عدنا إلى الدائرة الأولى من الشركات متعدّدة الجنسيات التي تستفيد من النظام الرأسماليّ لتعزّز أرباحها الناجمة عن احتكار المنتَجات من خدماتٍ وسلع.