فاز الروائي الفرنسي دافيد ديوب (1966) ذو الأصول السنغالية بجائزة بوكر الدولية عن روايته «شقيق الروح» (Frère d’âme) بنسختها الإنكليزية ليتقاسم قيمة الجائزة (50 ألف جنيه استرليني) مع المترجمة آنا موسكوفاكيس، وهي الرواية نفسها التي لفتت الأنظار عند صدورها عام 2018 عن «دار سوي» الباريسية وتوّجت بـ «جائزة طلّاب المدارس». في الفصل الأول، يأخذنا ديوب ـ الذي دخل التاريخ بصفته أول فرنسي يتوّج بهذه الجائزة ــ إلى أجواء الحرب العالمية الأولى، على الجبهة ضد ألمانيا، حين يطلق الكابتن أرماند صافرة بدء الهجوم.[اشترك في قناة ‫«الأخبار» على يوتيوب]
اندفع الجنود إلى الأمام. في صفوفهم، كان «ألفا ندياي» و«ماديمبا ديوب»، وهما من عناصر فرقة المناوشة السنغالية، من بين كل جنود المستعمرات الذين كانوا يقاتلون في حينها تحت العلم الفرنسي. بعد أمتار قليلة على خروجه من الخندق، يسقط ماديمبا مثخناً بجراحه حتى الموت، أمام أعين «ألفا» صديق طفولته، بل أكثر من أخيه، فهو «شقيق روحه» على حدّ قوله، لأن المرء لا يختار أخاه وإنما أصدقاءه. يجد البطل نفسه وحيداً في جنون المذبحة الكبرى فاقداً صوابه، ليتحوّل الفلاح الأفريقي إلى قاتل يوزع الموت على تلك الأرض المجهولة. في تغريبة عن الانتماء والوطن وحتى عن الذات، يعتنق «ألفا» العنف ديناً ويزرع الخوف، إلى درجة ترعب حتى رفاق سلاحه: تُطلق عليه من بعدها ألقاب «الهمجي»، و«الساحر» و«المفترس البشري»، ويتم إجلاؤه إلى «الخلف». هذا الجزء الخلفي الذي هو مكان للاستراحة بين هجومين، يتحوّل رمزياً إلى منطقة السرد عند ديوب حيث يثبّت البطل برج مراقبة للنظر إلى حياته السابقة ويأخذ المسافة اللازمة للتكفير عما اقترفت يداه. يتعلّق الأمر بمحاولة استعادة طعم الحياة عن طريق خداع الموت، عبر السعي لاستعادة ذكرى ماضيه في القارة السوداء، ما سيشكل فرصة لـ«ألفا» لمقاومة المجزرة القائمة في الحرب وفي اللحم البشري وفي نفسه.
بين «ذوي البشرة البيضاء وشوكولاتة أفريقيا السوداء»، يخبرنا «ألفا ندياي» في رثاء طويل، عن أهوال الحرب التي خبرها كقناص سنغالي. السرد المكتوب بأسلوب متكرر تشبه فيه استعادة الذكريات محاولة بناء دائمة أمام ما تهدمه الحرب، يتحوّل إلى أغنية إنسانية حقيقية، عابراً «المطهَر» للتخلص من أدران الحرب والدم. سيدافع «ألفا» عن السلام ويصوغ نشيد مقاومة لتلك المقتلة العظيمة التي تفتّق عنها ذهن الإنسان.
يقول لنا ديوب في الفصل الأخير: «طالما أن الإنسان لم يمُت، فإنه لم ينتهِ من الخلق». من خلال هذه الملحمة المستلهمة من ذكريات جده المقاتل في الفرقة السنغالية التي كان قوامها ١٣٥ ألف جندي حصدت الحرب منهم زهاء الثلاثين ألفاً، يدعونا ديفيد ديوب، في لغة روائية تقسو وترق وتخترقها ومضات هي أقرب إلى لغة الشعر، إلى الإيمان بالأمل والسلام ونبذ عبثية الحرب، في إحالة إلى عبارة هيغل الشهيرة: «في الليل كل الدماء سوداء».