ما إن وقع الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وووصلت إرتداداته إلى عدة دول من بينها لبنان، حتى انتشرت تغريدة كان قد كتبها الباحث الجيولوجي وخبير الزلازل الهولندي فرانك هوغربيتس في 3 شباط المنصرم، أي قبل ثلاثة أيام من حدوث الزلزل، والتي توقع فيها المنطقة التي سيضربها الزلزال وقوته على مقياس ريختر( 7.5 )، لتأتي متطابقة إلى حد كبير مع قوة الزلزال الفعليّة التي ضربت تركيا مسجلة 7.7 درجات. وعلى الرغم من أن هوغربيتس لم يحدّد متى قد يقع الزلزال، مكتفياً بالإشارة إلى أنه «قد يحدث عاجلاً أو آجلاً»، إلا أن متابعة ما ينشره على صفحته على موقع تويتر من نصوص وفيديوهات، تبيّن أنه كان قد ذكر في تغريدة في 2 شباط، أرفقها بفيديو مفصل على موقع يوتيوب أن «نشاطاً زلزالياً كبيراً قد يحدث بين 4 و 6 شباط، مرجحاً أن تصل قوته إلى حدود 6 درجات على مقياس ريختر».



الأكثر غرابة في الموضوع يكمن في أن هوغربيتس كان قد نشر صورة لكوكب الأرض في 30 كانون الثاني المنصرم، تتضمن خطين مرسومين باللون الأرجواني، تؤشران حسب تقديره إلى إحتمالية حدوث نشاط زلزالي أقوى في نطاق الخطين أو على مقربة منهما خلال مدة تتراوح بين يوم إلى ستة أيام. وهي صورة أعاد نشرها في الفيديو المذكور أعلاه. أحد الخطين يمتد من بحيرة بايكال جنوب روسيا إلى المحيط الهندي، وهي منطقة قريبة جغرافياً من تركيا. واللافت أنه وفي الصورة المنشورة وضع نقطة حمراء جنوب تركيا في المنطقة التي وقع فيها الزلزال ولكن من دون أن يوضح لا في النص ولا في الفيديو معنى هذه النقطة.

منهج علمي مختلف؟
متابعة بسيطة لعمل هوغربيتس على مدار سنوات تبيّن أن الرجل يعتمد على منهج علمي مختلف عن المعتاد من قبل علماء الجيوفيزياء. فعلى ماذا ترتكز منهجيته؟
بالمختصر يعتبر هوغربيتس أن مواقع الكواكب والقمر تؤثر بشكل واضح على الزلازل الكبيرة وتحفزها. ويعود ذلك إلى الرابط والعلاقة المباشرة بين قشرة الأرض وتراكم الإجهاد فيها وبين هندسة الأجرام السماوية المرتبطة بالزلازل الأكبر «ففي حال نظرنا إلى هندسة الأجرام السماوية المرتبطة بالزلازل فإننا نرى هذه الهندسة بشكل أساسي في يومي 4 و 5 شباط. ويتحدّث عن اقتران كل من الشمس والزهرة والمشتري يوم 4 شباط....وبشكل عام لدينا حركة كواكب في ذروتها بين 4 و 5 شباط، ويقدّر أن تؤدي إلى نمو في احتمال حدوث زلازل بين يومي 4 و 6 شباط...».
وتذكر واحدة من تغريدات هوغربيتس، في 22 كانون الأول 2022، بالزلزال المدمر الذي ضرب وسط تركيا في 1668 وبلغت قوته 7.9 درجات، «والذي تم تفعيله من خلال هندسة الزاوية اليمنى المزدوجة النادرة الحدوث لكوكب الزهرة وعطارد والمشتري»!
ويبرز هوغربيتس منهجه من خلال اسم مركز الأبحاث الذي أسسه في هولندا والذي يحمل اسمSSGEOS وهو اختصار لـ«مسح هندسة النظام الشمسي، وهو معهد أبحاث لرصد الهندسة بين الأجرام السماوية المتعلقة بالنشاط الزلزالي».
ويكشف موقع المركز على الإنترنت أن الدليل الأول على أن الهندسة المحددة في النظام الشمسي قد تتسبّب في حدوث زلازل أكبر، عثر عليه في 23 حزيران عام 2014 عندما وقعت ثلاثة زلازل بقوة 6 درجات في جنوب المحيط الهادئ، تلتها خلال ساعات فقط ثلاث زلازل أخرى في شمال المحيط الهادئ بلغت ذروتها 7.9 درجات. إذ انها كانت زيادة زلزالية مفاجئة في شهر هادئ نسبياً. وباستخدام برنامج محاكاة النظام الشمسي، يبدو أنه وفي حوالى 23 حزيران 2014، شاركت 6 أجرام سماوية في اقترانات كوكبية تقاربت في مثلث قريب. وقد أدى تحليل هندسة الكواكب في ذلك اليوم إلى إجراء بحث في الهندسة بين الأجرام السماوية في وقت حدوث الزلالزل الكبيرة وهي زلزال فيلادلفيا في 22 أيار 1960 وزلزال ألاسكا في 28 آذار 1964. فقد كشف تحليل هوغربيتس أن كلا الزلزالين كان لهما ارتباط كوكبي مرتبط بهما. في كل الحالات، شاركت كواكب عطارد والزهرة والمريخ وكواكب أخرى خارجية. وكشفت أبحاث لاحقة أن موقع القمر مهم بنفس القدر وحاسم في الكثير من الأحيان.

مبالغة وحظ
لكن، من المتعارف عليه علمياً أنه يصعب تحديد متى وأين قد يقع زلزال، وإن كان هنالك إمكانية لوضع تقديرات عامة، فكيف الحال بتحديد قوته بشكل شبه دقيق قبل أيام من وقوعه. وفي هذا الإطار تشير مديرة المركز الوطني اللبناني للجيوفيزياء مارلين البراكس إلى أن «المنطقة التي ذكرها هوغربيتس تقع على فالق زلزالي يمتد من الأردن وفلسطين جنوباً وصولاً إلى تركيا. وهذا الفالق الزلزالي شهد تاريخياً على زلازل بلغت قوتها 7.5 درجات، وهو ما يفسّر إمكانية حدوث زلازل بهذه القوة في هذه المنطقة». وتلفت البراكس إلى «اكتفاء هوغربيتس بالإشارة إلى إمكانية حدوث زلزال في هذه المنطقة عاجلا أو آجلاً لتبيّن أن توقعه كان يمكن أن يحدث في أي وقت ولو بعد سنوات». أي وكأن الإندهاش من توقعه فيه الكثير من المبالغة وما حدث يشبه إلى حدّ بعيد ضربة حظ!

توقّعات أخرى لافتة
لم يكن هوغربيتس الوحيد الذي توقّع حدوث الزلزال المدمّر في تركيا، وإن كان الوحيد الذي حدّد موقعه وقوته بشكل دقيق. فعلى سبيل المثال، ذكرت صفحة Earthquake News Everyday على موقع فيسبوك قبل يوم من وقوع الزلزال أنه من اليوم وحتى الساعات الـ 96 المقبلة أو بعد 15 إلى 20 يوماً، فإن بعض الزلازل الخفيفة والمتوسطة والكبيرة يمكن أن تصيب المناطق الحدودية بين العراق وسوريا أو إيران والعراق، فلسطين والأردن، مصر، منطقة الخليج والبحر الأحمر...
كذلك كانت لافتة عدة منشورات لشخص يوناني يدعى Vasiliki Dionisopulos، يعرّف عن نفسه بأنه ليس عالم جيولوجيا أو زلازل، بل مجرد شخص يرصد الزلازل كهواية، ومنها منشور يعود تاريخه إلى تاريخ 24 كانون الأول 2022 يشير فيه إلى أن «الزلزال الكبير الذي أنتظره في هذه المنطقة، أي الحدود السورية التركية، يقترب من الحدوث في غضون الأسابيع المقبلة».
قبل 3 أيام من وقوع الزلزال في تركيا، نشر أيضاً أن «زلزالاً بقوة 4.3 درجات ضرب منطقة غازي عنتاب في تركيا. ونتوقع المزيد في هذه المنطقة. كن آمناً».