يذكر سفر تكوين في العهد القديم من الكتاب المقدّس أن النبيّ نوح أطلق حمامةً لتعود إليه بدليل حسيّ يبيّن ما إذا كان الطوفان قد بدأ بالانحسار، وعادت الحمامة حاملةً غصن زيتون كدلالة على أن اليابسة عادت للظهور تدريجياً. إذا اخترنا تصديق أحداث الكتاب المقدّس، فإن الحمامة تكون قد التقطت الغصن من أعالي قضاء البترون، ومن بلدة بشعله تحديداً، التي تحتضن وفقاً لأحدث المعطيات العلميّة أعلى شجر زيتون في العالم وربما الأقدم.
تناسق الأشجار يثبت أنّ زراعتها تمّت بشكل يدوي

يُعرف زيتون بشعله الأثري بـ«زيتون نوح»، وهو يتكوّن من 11 شجرة لا تزال صامدة رغم مرور آلاف السنوات. ويشير رئيس بلدية بشعله رشيد جعجع إلى أن «زيتونات بشعله خضعت عام 2018 لاختبارات الكاربون 14 في جامعة أريزونا في الولايات المتحدة الأميركية، وتبيّن أن عمرها 2050 سنة، وتُعتبر بالتالي أقدم شجر زيتون في العالم». ويلفت إلى أن «هذه الزيتونات هي الأعلى في العالم أيضاً، لكونها ترتفع على علو 1220 متراً عن سطح البحر، فيما الزيتون وكما هو معلوم لا يعيش على ارتفاع أكثر من 800 إلى 900 متر عن سطح البحر».

أمّ الأشجار المتوسطية
تُعدّ شجرة الزيتون شجرة متوسطية بامتياز وتكشف الدكتورة لميس شلق، رئيس قسم الإنتاج النباتي في كلية الزراعة في الجامعة اللبنانيّة، والتي أجرت ولا تزال عدة دراسات حول زيتون بشعله إلى أن «دراسة جينية أعدّتها كل من الجامعة اللبنانيّة وجامعة مونبلييه الفرنسية عام 2015 بيّنت وجود صلة أو قرابة جينيّة بين أشجار زيتون بشعله المعمّرة والأصناف البلدية في لبنان، ما يثبت أن أشجار بشعله هي أجداد للأصناف البلديّة في لبنان. كذلك بيّنت الدراسة وجود قرابة مع بعض أصناف الزيتون التي تنمو في قبرص واليونان. وهو ما دفعنا إلى طرح فرضية حول احتمال أن تكون أشجار زيتون بشعله أسلاف أشجار الزيتون في جزر المتوسط وأن يكون لبنان صدّر الزيتون منذ زمن الفينيقيين إلى جزر المتوسط». وتلفت شلق إلى أن «دراسة أعدّتها الجامعة اللبنانيّة مع مصلحة الأبحاث العلميّة والزراعية أظهرت، وبعد إجراء مقارنات مع أشجار زيتون أخرى معمّرة في لبنان، أن محتوى الزيت في أشجار زيتون بشعله يُراوح ما بين 25 و28%، أي أن كلّ 100 كيلو زيتون يعطي 25 إلى 28 ليتر زيت، إضافة إلى احتوائها على كمية أكبر من حامض الأولييكOleic acid، ما يعني أنها تنتج أحد أجود أنواع الزيتون في لبنان».

الأونيسكو: متحف الزيتون
اللافت في أشجار الزيتون المعمّرة في بشعله أنها تؤشر إلى وجود حياة زراعية واجتماعيّة فيها منذ آلاف السنوات «وذلك يظهر من خلال الطريقة التي زُرعت فيها الأشجار بشكل متناسق وبمسافات محددة ودقيقة ما يثبت أنها زُرعت يدوياً». معطيات دفعت بالأونيسكو إلى الاحتفال بعيد الزيتون العالمي العام الماضي ولأول مرة في لبنان في بشعله، إضافة إلى «قرار مكتب الأونيسكو في لبنان تقديم مشروع لإنشاء متحف الزيتون في بشعله écomusée de l'Olivier الذي يهدف إلى نشر الثقافة والتوعية حول الزيتون في العالم».
بيّنت الاختبارات أن عمر زيتونات بشعله يصل إلى 2050 سنة


ويتحدث جعجع عن دور البلدية في المحافظة على هذه الزيتونات ومن جملة المشاريع التي تنعكس مباشرة عليها وحكماً على عموم سكان القرية «مشروع الصرف الصحي الذي سيساهم في حماية جذوع هذه الأشجار، كما ونشر الطاقة الشمسيّة في البلدة لتكون خالية من أي مولّدات لنحدّ من تلوّث الهواء ونجعل منها قرية نموذجية بيئياً». وفي هذا السياق توضح شلق أن «الاختبارات كشفت أن أوراق شجر زيتون بشعله خالية من التلوّث، ما يؤشر إلى نجاح البلديّة في الحفاظ على الأشجار رغم أنها تقع على مقربة من الطريق».