في صغري، كنت مقتنعة بأنني ما أن أقول عبارة «افتتح يا سمسم» حتى تشرَّع لي أبواب الفردوس. لطالما تخيَّلت أن هذه العبارة هي الرمز السرّي لكل شيء تقريبًا: خزنة مليئة بالمجوهرات، باب دكان «المعلم أبو عارف»، مغارة علي بابا... «إفتح يا سمسم» كانت، بالنسبة إليَّ، التعويذة التي ستشرِّع كل هذه الأبواب أمامي.

ترعرعت على برنامج «افتح يا سمسم» ومغامرات نعمان. صقل هذا البرنامج شخصيتي وعمّق مداركي وعزّز فضولي، والأهم أنّه جعلني أكثر انفتاحًا وتقبّلًا للآخر، مهما بدا مختلفًا عنّي. البرنامج من إنتاج مؤسسة البرامج المشتركة لدول الخليج العربي، وهو إنجاز طبع مسيرة العرب في مجال خلق المحتوى للأطفال، بحيث لم تله أي إنجازات بهذا الحجم. أُنتِج الجزء الأول منه سنة 1979 والثاني سنة 1982. واتّخذ طابعًا ترفيهيًا تعليميًا. علماً أنّه كان النسخة العربية من مسلسل أميركي اسمه «شارع سمسم».
سنة 2014، شاءت الصدف أن أتعرَّف إلى منتج البرنامج أسامة الروماني الذي أعطاني صورة واضحة عن ضخامة إنتاجه والعدد الهائل من المختصين (كل في مجاله) الذين عملوا فيه. بحيث تكبّدت الجهة المنتجة حوالي مليون ونصف مليون دولار لشراء الحقوق وإعادة إنتاجه بالنسخة العربية. وكلَّف إنتاج البرنامج بموسميه الأول والثاني ما يعادل، بأسعار اليوم، ستة ملايين دولار. ستة ملايين دولار لإنتاج محتوى هادف وذكي وواقعي.
ما زالت عبارة «افتح يا سمسم» تلازمني، أردّدها كتعويذة سحرية كي أفتح صندوق بريدي لأجد رسائل مكتوبة كلها بخط اليد، خط كبير أعوج، كلمات تتطاير فوق السطور وتحتها متناثرةً على الصفحة بأكملها. كم تدهشني خطوط أيدي الأطفال، كم تشبه أسنانهم اللبنية بأطرافها المسنّنة. لكنها رسائل جعلتني أتيقّن أن تعويذة «افتح يا سمسم» لا تعني لهذا الجيل شيئاً. وما يدمي القلب أنّ جيل المستقبل هذا بات أسير «تي. جي.» وأخواتها. فأين المحتوى العربي للأطفال من كلّ ذلك؟
يقودنا هذا السؤال إلى تساؤل أعمق: هل يوجد محتوى عربي لبناني للأطفال هادف بالمعنى الصحيح للكلمة؟
فلنفكك شيفرة السؤال؟ أين قنواتنا المتلفزة، أين مطبوعتنا اليومية والدورية، أين شاشات السينما العملاقة، أين خشبات المسارح، أين النشاطات اللاصفية من كلّ ذلك؟
لم نعد نملك رفاهية تصنيف المحتوى بالجيّد والرديء وما بينهما. بات السؤال الملّح أين المحتوى المخصّص للأطفال في عالمنا العربي؟ همّشنا أولادنا وكأنهم دون ماضٍ أو لا يستحقون أن نخلق محتوًى خاصًا بهم، يكون ابن بيئتهم ومصدر فخرهم واعتزازهم بها. أمام هذا الغياب والتهميش الكلّي للأطفال في عالم الإعلام والإعلان والفنون على أنواعها، يغدو أطفالنا لاجئين في عالم الثقافة هذا، لاجئين بوثيقة انتماء إلى ثقافة غربية، غريبة عنهم في شتّى الميادين، فكيف لهم ألّا يفقدوا ارتباطهم ببلدهم وبعروبتهم.
تبعات المشكلة لا تتوقّف هنا. فأية أجيال سيربي أبناؤنا اللاجئون في بيئتهم؟ وأي موروث ثقافي سيتنامى لنا عبر الأجيال؟
* كاتبة قصص أطفال