لن يتمكّن اللبناني من إعطاء جنسيته الى ابنه المولود من امرأة «من دول الجوار»، بموجب مشروع تعديل قانون الجنسية اللبنانية الذي اقترحه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل. وبما أن غالبية دول الجوار العربية لا تمنح المرأة حقها في إعطاء جنسيتها لمولودها، سيغدو الكثير من أبناء هؤلاء عديمي الجنسية، ما يطرح مخاوف من تداعيات تطبيق أحكام هذا المشروع لجهة رفع اعداد مكتومي القيد.يُساوي مشروع تعديل قانون الجنسية اللبنانية الذي أعلنه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، الأسبوع الماضي، بين المرأة والرجل لناحية استثنائهما من إمكان منح جنسيتهما اللبنانية لأولادهما، في حال اقترن أحد منهما بـ «شخصٍ أجنبي دخل إلى لبنان لاجئًا أو نازحًا، لا سيّما من الدول المُجاورة للبنان»، كما ورد في المادة الرابعة من المشروع.
تطبيق المشروع «يتسبّب بارتفاع حالات انعدام الجنسية أو ما يُعرف بحالات مكتومي القيد»، بحسب «جمعيّة روّاد الحقوق»، لأن كلاً من الرجل والإمرأة اللبنانيين لن يتمكّن من منح جنسيته الى أولاده. ولفتت الجمعية في بيان، أمس، إلى أنه في حال تم تجريد الرجل اللبناني من حق نقل الجنسية إلى أولاده المولودين من امرأة تحمل جنسية إحدى دول الجوار، «وبما أنّ غالبية دول الجوار العربية لا تزال تُميّز ضدّ المرأة في حق نقل الجنسية لعائلتها، سيُحرم هذا المولود من حق اكتساب جنسيّة أي من والديه، فيصبح عديم الجنسية». وحذّرت من «خطر مُساواة الرجل بالإجحاف اللاحق بالنساء» لناحية حرمانه إمكانية إعطاء الجنسية لابنائه، ما سيؤدي حُكماً الى ارتفاع اعداد مكتومي القيد في لبنان.
وثمة نواح أخرى في مشروع باسيل من شأنها أن تؤدي الى نتيجة مماثلة. فإضافة الى مسألة المُساواة في الحرمان من حق إعطاء الجنسية، ينصّ المشروع على تعديل الفقرة الثالثة من المادة الأولى من قانون الجنسية المعمول به حاليا (قرار رقم 15، صادر في 19/1/1925). ومن شأن هذا التعديل أن يهزّ ضمانات انعدام الجنسية في لبنان، بحسب حقوقيين. كيف؟
لم يُعطِ نصّ المشروع شروحات حول مفاهيم «دول الجوار» (بلال جاويش)

تنص الفقرة الثالثة من المادة الأولى من قانون الجنسية على التالي: «يُعدّ لبنانياً كل شخص يولد في أراضي لبنان الكبير من والدين مجهولين أو والدين مجهولي التابعية».
وبحسب عدد من الحقوقيين تواصلت معهم «الأخبار»، تُشكّل هذه الفقرة ضمانة أساسية لمنع نشوء حالات انعدام الجنسية على اعتبار أن كل فرد عاجز عن اكتساب أي جنسية وُلد في لبنان، يُمنح الجنسية اللبنانية. إلّا أن هذه الضمانة تسقط بفعل التعديل الذي ألحقه المشروع والذي أضاف الشرط التالي: «ويُثبت القضاء هوية أحد والديه ونسبه وتابعيته اللبنانية».
وتوضح المحامية غيدا فرنجية أنّ أهمية المادة الحالية في القانون تكمن في أنها تمنح الجنسية لأي فرد يولد في لبنان يكون عاجزاً عن اكتساب أي جنسية، من دون أن يتحمّل هذا الفرد عبء إثبات هوية والديه، مُشيرة الى أن الشرط الذي أُضيف «أبطل مفعول هذه المادّة». فيما لفتت «رواد الحقوق» إلى أن أمر الإثبات «ينفي مجهولية الوالدين أو مجهولية تابعيتهما».
مُساواة الرجل بالإجحاف اللاحق بالنساء يتسبّب بارتفاع حالات انعدام الجنسية


إلى ذلك، لم يُعطِ نصّ المشروع المقترح تفاصيل وشروحات حول مفاهيم «دول الجوار»، أو تعريفات لـ «اللاجئ» أو «النازح». المستشارة في الجمعية سميرة طراد أوضحت أنه لا يوجد قانون لجوء في لبنان، «فكيف للقاضي أن يحكم إذا ما كان الشخص لاجئاً أم لا؟»، مُشيرة الى أن هذا الأمر من شأنه أن يُمهّد لوجود استنسابية كبيرة لدى القضاة. وسألت: «هل يُمكننا إلزام قاض باعتبار دول محددة دول جوار؟».
بحسب «روّاد الحقوق»، فإنّ معيار «دخل لاجئاً أو نازحاً» سيخلق في حدّ ذاته تمييزاً بين مواطني الدول نفسها في حال كانوا قد دخلوا إلى لبنان بصفة عمال أو رجال أعمال أو طلاب أو أي بأي صفة أخرى. كما أنّ نص المشروع خلط بين مفاهيم قانونية مُختلفة كالتوطين والتجنيس والجنسية. وتُشير طراد في هذا الصدد الى أن «الجنسية»، بحكم القانون، تختلف عن «التجنيس». إذ أن كلاً منهما يملك مساراً قانونياً مُختلفاً، لافتةً الى ضرورة تحديد «التوطين»، وما إذا كان المقصود به المفهوم السائد أم مفهوماً مُستجدّاً.