عشر سنوات مرت على رحيل السينمائية اللبنانية رندة الشهال صبّاغ (1953-2008)، التي تكرّمها «متروبوليس أمبير صوفيل» طوال هذا الأسبوع في مناسبة إطلاق برنامج «سينماتك بيروت» (راجع البرواز): معرض صور، طاولة مستديرة، تجهيز بصري، والأهمّ، استعادة لأعمالها منذ البدايات، ليتسنّى للجميع مشاهدتها من جديد أو التعرّف إليها للمرة الأولى. تكريم الشهال هو تكريم لسينما جيلها أيضاً، سينما جان شمعون، برهان علوية، مارون بغدادي، هايني سرور وجوسلين صعب، وغيرهم مِمن أسهموا في تشكيل وعي سينمائي جديد، في جانبيه الروائي والوثائقي. وعي متصّل بموجة السينما الجديدة التي سادت في أوروبا الستينيات، ومتأثّر باندلاع أحداث الحرب الأهلية في لبنان.
تستحضر أعمال رندة الشهال وجيلها، بدايات التجارب اللبنانية في ميدان سينما الواقع، بالتزامن مع التوثيق وخدمة الرسالة التي يحملها العمل. الالتزام الإنساني أولّاً ثمّ السياسي، يشكّلان الإطار لأي ثيمة تناولتها هذه الأفلام.
من «حروبنا الطائشة»

رندة الشهّال، ابنة البيت الشيوعي، المولودة في طرابلس، قصدت باريس في مطلع السبعينيات. درست الفن السابع في «معهد لوي لوميير». الحرب الأهلية كما بات معلوماً، كانت نقطة تحوّل في وجهة إنتاج وكتابة الأفلام أيضاً، شكّلت مادة منفصلة ومستقلة في تاريخ السينما اللبنانية. وقد تكون سينما الحرب الأكثر نجاحاً لناحية التوثيق. أعادت الحرب رندة الشهال الى لبنان، أكثر من مرّة، لتنطلق في رحلتها مع الكاميرا من باب الوثائقي.
من رحلات العودة الى بلدها الأمّ ومباشرة توثيق الأحداث، خرجت باكورتها «خطوة خطوة» (80 د ـــ يعرض ليلة 26/6 ـــ س:20:15) عام 1978. قدّمت رندة الشهال الشريط بهذه الكلمات: «هذا الفيلم هو نتاج عامَين من العمل الذي امتدّ من شباط (فبراير) 1976 حتى آذار (مارس) 1978. يتجاوز الفيلم هذه الفترة الزمنية بغرض التقاط الأسباب البعيدة للنزاع، ويحاول وضع خطّ زمنيّ للأحداث؛ تفكيك لبنان، وتصفية الحركة الفلسطينية، وتوازن القوى الجديد في الشرق الأوسط تحت حكم الولايات المتحدة الأميركية. الأحداث التي نتجت عن الاحتلال الإسرائيلي لجزءٍ من لبنان، وتدخّل الأمم المتحدة الذي رسّخ الأمر. بهذا المعنى، الفيلم غير تامٍ، إذ سعى إلى مرافقة واقع البلد الآخذ دوماً في التطور، ومعاناة شعبه».
وعي متصّل بالموجة الجديدة في أوروبا، ومتأثّر بالحرب الأهلية في لبنان


عن «خطوة خطوة»، نالت الشهال جائزة الصحافة في «مهرجان الأفلام الفرنكوفونية الدولي في نامور» (1980).
في عام 1981، أنجزت الوثائقي القصير «لبنان أيام زمان» (12د. جائزة لجنة التحكيم في مهرجان قرطاج الدولي 1984 ـــــ 26/6 ـــ س:20:00) عرضت من خلاله صوراً قديمة للبنان ولعائلات وجدت في منازلها المهجورة. رأت فيها نقيضاً لصور الحرب. تأمّلت في هذه الصور برفقة شعر طلال حيدر. تصفية حساب أخيرة مع الحرب عادت إليها رندة بعد وقف إطلاق النار عام 1995. دخلتها من الباب الشخصي، من قصصها وقصص عائلتها في فيلم «حروبنا الطائشة» (52 د. ـــ 1/7 ـــ س: 20:00).
كتبت عنه: «ثم، في يومٍ ما، أردتُ أن أروي قصةً، لكن من الصعب العثور على المنطق في هذه الصور، في الحرب، في عائلتي، في الموت، في الندم، في الاجتياح الإسرائيلي، في الوجود السوري، في إعادة إعمار بيروت، من الصعب العثور على المنطق في الألم. توفّر عائلتي الرابط الذي بواسطته يمكنني أن أمنح شكلاً لصور المدينة. انتهت الحربُ التي عطّلت أيامنا... الآن إذ صار العقل يماثل أرضاً قاحلة، الآن إذ خسرنا الحرب، ترانا نسترجع الذكريات الكاملة من أجل وداعٍ أخيرٍ لهذه المدينة التي أحببتُ كثيراً ولم أكفّ عن مغادرتها. هل من الممكن فعلاً أن يشتاق المرء إلى الحرب؟».

من «خطوة خطوة»

توجّهات رندة الشهال السياسية واضحة في رؤيتها وخيارات مواضيع أفلامها. تلحق بالمناضلين اليساريين، إلى فرنسا عام 1984 لتصوّر «الشيخ إمام» (57 د.)، خلال حفلة في باريس. والى جنوب لبنان، بعد تحريره من الاحتلال عام 2000، وتحديداً الى دير ميماس، برفقة سهى بشارة، المحرّرة من معتقل الخيام في فيلم «سهى، إرادة حياة» (57 د ـــ 28/6 ـــ س:20:00)
خرجت أول مشاريعها الروائية الى الشاشة عام 1991 مع «شاشات الرمل» (90 د. أفصل إخراج، مهرجان فالنسيا 1993 ـــ 29/6 ـــ س:20:00). بعد الطفرة النفطية، تعيش ساره، في نعمة المال الجديد ومظاهر الترف والحداثة المستوردة، في مدينة عصرية يتم إنشاؤها في وسط الصحراء. تبقى أسيرة موروث العادات والقيود الاجتماعية القديمة. اختارت القاهرة مسرحاً لثاني أعمالها الروائية عام 1997، «المخادعون» (86 د. ـــ 27/6 ـــ س:20:00): صفقة تجارية يتمّ التحضير لها بين إسلامي مصري ودبلوماسي فرنسي، تتعلّق بتبادل أسماء لمطلوبين في فرنسا، مقابل إطلاق سراح صديق الإسلامي المصري من السجون الفرنسية. الصفقة تتطوّر وتوتّر العلاقة الشخصية بين الرجلين.
في لبنان، أنجزت فيلمها «متحضرات» عام 1999 (94 د. جائزة نيستور ألمندروس، نيويورك 2000). يرسم الفيلم لوحة موزاييك لمدينة بيروت. أبطالها عمّال أجانب، بقوا وحدهم في منازل أرباب عملهم أثناء الحرب، والى جانب هؤلاء، القبضاي الذي يسيطر على الحيّ الذي يقطنوه وعلى المدينة. أدى بطولة العمل نخبة من الممثلين اللبنانيين والعرب من أمثال المسرحية جليلة بكّار، تميم شهّال، برونو توديسكيني، كارمن لبّس، سوتيجي كويات، بول مطر، رينيه ديك، حسن فرحات، ندى غصن، حسن مراد، ليليان نمري.
ليس «طيارة من ورق» (30/6 ـــ س:20:00) عام 2002، آخر ما كتبته. الفيلم الحائز «جائزة الأسد الفضي» في «مهرجان البندقية السينمائي الدولي» عام 2003، هو الأكثر شهرة للمخرجة رندة الشهال. في الجولان، يقسم الاحتلال الأرض الى شطرين ويفصل بين أبناء القرية والعائلة الواحدة. لا تعبر الحدود إلّا مواكب الجنازات والزفاف. الشريط أدت بطولته فلافيا بشارة، رندا أسمر، جوليا قصّار، ليليان نمري، رينيه ديك، زياد الرحباني، ماهر بصيبص وإدمون حداد، لكن للأسف، لا تزال العصبية تلاحق عروض هذا العمل إلى اليوم.

* استعادة أفلام رندة الشهّال صبّاغ: بدءاً من اليوم حتى الأول من تموز (يوليو) ــــ «متروبوليس أمبير صوفيل» (الأشرفية) ــ للاستعلام: 01/204080
* الافتتاح الليلة الساعة السابعة والنصف مساءً، يليه عرض «متحضرات».
* الثلاثاء 26 حزيران: الساعة 6 مساء ـ طاولة مستديرة حول أعمال رندة الشهال تتحدث خلالها شقيقة المخرجة الراحلة، والصحافية نهلة الشهال، والمخرج والناقد محمد سويد، والمخرج ميشال كمون. يليها عرض (الساعة 20:00) «لبنان أيام زمان» و«خطوة خطوة».
* الأربعاء 27 حزيران ـ (20:00): عرض فيلم «المخادعون»
* الخميس 28 حزيران ـ (20:00): «سهى إرادة الحياة»
* الجمعة 29 حزيران ـ (20:00): «شاشات الرمل»
* السبت 30 حزيران (20:00): «طيارة من ورق»
* الأحد 1 تموز (20:00): «حروبنا الطائشة»


«سينماتيك بيروت»
«سينماتيك بيروت» هو أحدث مشاريع «متروبوليس» بالتعاون مع مؤسسات شريكة وشبكة مساهمين. يهدف المشروع إلى إطلاق مشروع تجريبي مخصّص لحفظ الإرث السينمائي في لبنان. يقدم مشروع «سينماتيك بيروت» أساليب معاصرة في العمل على حفظ الإرث السينمائي اللبناني (والعربي) من خلال نشر المعلومات والوثائق المتاحة والمدققة عبر شبكة الانترنت. ويقع اهتمام «سينماتيك بيروت» الرئيسي في إنشاء أدوات ومحتويات مفيدة تكون متاحة لأكبر عدد من الناس، بالإضافة الى إبراز ونشر الأفلام اللبنانية. تأمل المبادرة في الجمع بين المحترفين والطلاب والصحافيين المحليين والدوليين والباحثين ومحبّي السينما في بيئة ملائمة لخلق ودراسة السينما. وتتوزع أنشطة «سينماتيك بيروت» على التركيز على الأبحاث وتوثيق كافة المعلومات المتعلّقة بالأفلام اللبنانية، وبرمجة الأفلام عبر استعادات وندوات وورشات عمل متخصّصة. وسيتمّ إطلاق النسخة التجريبية لقاعدة البيانات التعاونية عبر الانترنت الخاصة بالسينما اللبنانية اليوم الاثنين، وسيتاح لزوّار سينما «متروبوليس أمبير صوفيل» (الأشرفية) التعرّف عن كثب إلى كيفية عمل موقع «سينماتيك بيروت» عبر ورش تفاعلية تمتد حتى الأول من تموز.