في ظل النيوليبرالية يعمل النظام الاقتصادي في مصلحة أصحاب الثروات مقابل باقي طبقات المجتمع. فمنذ بداية جائحة كورونا اتجهت الدول إلى إغلاق اقتصاداتها لتفادي انتشار الفيروس ما انعكس انكماشاً اقتصادياً أدّى إلى زيادة معدلات البطالة والفقر وتدني معدلات الاستهلاك والإنتاج. استجابة الدول جاءت على شكل سياسات الدعم المالي التي ركّزت على خلق النقود وضخّها في الأسواق بهدف تحفيز جانبَي العرض والطلب لتنشيط الاقتصاد. تعويضاً عن تداعيات الإقفال، وزّعت الحكومات رواتب شهرية للأسر، ومنحت الشركات مبالغ ضخمة. بحسب تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي، فإن الحكومات حول العالم ضخّت أكثر من 9 تريليونات دولار من خلال سياسات الدعم المالي.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره


أنقر على الرسم البياني لتكبيره


أنقر على الرسم البياني لتكبيره


أثر هذه الأموال التي ضُخّت ظهر في السوق المالية أكثر بكثير منه في السوق الاستلاكية. فعلى سيبل المثال، فإنه منذ بداية جائحة «كورونا» في الولايات المتحدة الأميركية ولغاية شهر آب 2020، ازداد حجم الأموال المتداولة بنحو 210 مليارات دولار، كما ازداد حجم الكتلة النقدية (M1) والتي تتضمن النقد في التداول مع الودائع الجاهزة للسحب فوراً، بنحو 1.4 تريليون دولار، أما كتلة المعرّف عنها (M2) والتي تتضمن كتلة الـ(M1) مضافاً إليها الودائع التي تقلّ عن 100 ألف دولار، وأموال الصناديق (بحسب التعريف الأميركي)، فقد ازدادت بنحو 2.9 تريليون دولار. لكن اتضح أن هذه الأموال ذهبت بمعظمها إلى الأسواق المالية التي شهدت نشاطاً هائلاً بعد انهيارها في آذار، إذ ارتفعت القيمة السوقية لأسواق الأسهم الأميركية لتبلغ 163% من الناتج المحلي الأميركي، مقارنة مع 144.5% في مطلع آذار الماضي و114.3% في مطلع نيسان. هذا التراجع كان يعود جزئياً إلى أزمة النفط بعد المواجهة السعودية - الروسية.
في المقابل كان تعافي الاستهلاك الأميركي، بعد هبوط حاد بين شهرَي آذار ونيسان بنسبة 13%، أبطأ من تعافي الأسواق المالية. بعد نيسان حدث ارتفاع تدريجي في الاستهلاك نحو 14.1 تريليون دولار مقارنة مع 14.8 تريليون دولار قبل الأزمة، أي أنه لم يعد إلى مستويات ما قبل الأزمة خلافاً لما حصل في الأسواق المالية. هذا الأمر يثير السؤال الآتي: هل أصاب تدخّل الحكومة الأميركية الهدف المرسوم؟
الثروة تزداد تركّزاً في أميركا
ضخّت الولايات المتحدة الأميركية نحو 2.3 تريليون دولار لمكافحة الأثر الناتج عن جائحة «كورونا»، لكن سرعان ما تبيّن أن قسماً كبيراً من هذه الأموال صبّ في جيوب الأثرياء. ففي الفترة الممتدة بين آذار وآب من السنة الجارية، زادت ثروات الـ12 الأكثر ثراء في الولايات المتحدة بأكثر من 283 مليار دولار، أي أكثر من 1% من الناتج المحلي الأميركي، وأكثر من 12% من حزمة الدعم المالي التي أقرّتها الحكومة. من هم الخمسة الأكثر استفادة من التريليونات التي ضخّتها أميركا؟ بمعزل عن الأسباب المتعلقة بطبيعة عمل الشركات التي أنتجت الثروات الإضافية لهؤلاء الخمسة، فإن نتائج التعامل مع الأزمة الأميركية واضحة لجهة توسيع تركّز الثروة في أميركا، ففي مقابل 10.5 ملايين عاطل عن العمل منذ بدء أزمة كورونا ولغاية تموز 2020، ازدادت ثروة خمسة أشخاص بقيمة 165.7 مليار دولار.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره


اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا