في عام 1920، سعى العالم، الذي أنهكته الحرب العالمية الأولى وأصابه وباء إنفلونزا في عام 1918، بشدّة إلى تجاوز الصراعات والمآسي والبدء في إعادة بناء الحياة. كان الناس يبحثون عن «العودة إلى الحياة الطبيعية»، على حدّ تعبير وارن جي هاردينغ. اليوم، تجد كل دولة نفسها تقريباً في وضع مماثل.أكثر من ثمانية أشهر و 900،000 حالة وفاة بسبب وباء COVID-19، والناس حول العالم، يتوقون إلى النهاية. في رأينا، هناك تعريفان مهمان لـ«النهاية» لكل منهما جدول زمني منفصل:
• نقطة النهاية الوبائية عند تحقيق مناعة القطيع. ستحدث نقطة نهاية واحدة عندما تكون نسبة المجتمع المحصن من COVID-19 كافية لمنع انتقال المرض على نطاق واسع. وتأمل عدة بلدان بأن يقوم اللقاح بالجزء الأكبر من العمل المطلوب لتحقيق هذه المناعة. عند بلوغ هذه النقطة، لن تكون هناك حاجة إلى تدخلات الطوارئ الصحية العامة التي انتشرت في عام 2020. وفيما قد تكون هناك حاجة إلى إعادة التطعيم بانتظام، ربما على غرار لقاحات الإنفلونزا السنوية، فإن خطر انتقال العدوى على نطاق واسع سوف يزول.
• الانتقال إلى شكل من أشكال الحياة الطبيعية. ستحدث نقطة النهاية الثانية (المحتملة، مبكراً) عندما يصبح استئناف جميع نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية تقريباً ممكناً من دون خوف من معدل الوفيات المستمر (عندما يتوقف معدل الوفيات عن تجاوز معدلاته الوسطية التاريخية في أي بلد)، أو من العواقب الصحية ذات الصلة بـCOVID-19 على المدى الطويل. ستصبح هذه العملية ممكنة من خلال أدوات مثل تطعيم السكان الأكثر عرضة للخطر، والاختبار السريع والدقيق وتحسين العلاجات والاستمرار في تعزيز استجابات النظم الصحية.
لن يبدو الوضع الطبيعي التالي تماماً مثلما كان في السابق، بل قد يكون مختلفاً بطرق مدهشة مع ملامح غير متوقعة. وسيكون الوصول إلى هذه المرحلة تدريجاً، لكن الانتقال سيعيد الكثير من المشاهد المألوفة مثل السفر الجوي والمتاجر المزدحمة والمصانع والمطاعم وصالات الرياضة، لتعود بكامل طاقتها.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

كلتا النهايتين مرتبطتان بالطبع، لكن ليس عضوياً. بالحدّ الأدنى، إن الانتقال إلى الوضع الطبيعي سيأتي عندما يتوصل المجتمع إلى مناعة القطيع. لكن في المناطق ذات الاستجابات القوية للنظم الصحية، من المحتمل أن تعود الحياة الطبيعية بشكل ملحوظ قبل النهاية الوبائية.
يختلف الجدول الزمني لهاتين النهايتين تبعاً للموقع. سنشرح المعايير التي ستكون بمثابة عوامل رئيسَة في تحديد توقيت الوصول إلى كل منهما. ففي الولايات المتحدة ومعظم الاقتصادات المتقدمة الأخرى، يرجح أن تتحقق نقطة النهاية الوبائية في الربع الثالث أو الرابع من عام 2021، مع إمكانية الانتقال إلى الوضع الطبيعي في وقت أقرب، ربما في الربع الأول أو الثاني من عام 2021. كل يوم مهم. إلى جانب نفاد صبر غالبية الناس لاستئناف الحياة الطبيعية، فكلما طال الوقت لإزالة القيود المفروضة على اقتصاداتنا، زاد الضرر الاقتصادي.

نقطة النهاية الوبائية
أرجأت غالبية الدول الأمل بتحقيق مناعة القطيع لغاية ظهور اللقاح. عند بلوغ مناعة القطيع، يمكن وقف تدخّلات النظم الصحية بلا خوف من عودة الظهور. يختلف توقيت نقطة النهاية باختلاف البلد وسيتأثر بعدد من العوامل:
• وصول، فعّالية، وتبني لقاحات COVID-19 – هذه من أهم الدوافع في الجدول الزمني لمناعة القطيع.
• مستوى المناعة الطبيعية لدى السكان من التعرض لـ COVID-19؛ بتقديرنا، قد يكون لدى ما بين 90 مليوناً و300 مليون شخص على مستوى العالم مناعة طبيعية.
• «المناعة المتقاطعة» أو «العابرة» بين التعرّض للفيروسات التاجية (كورونا) الأخرى.
• المناعة الجزئية المحتملة التي تمنحها التحصينات الأخرى، مثل لقاح عصيات كالميت - غيران (BCG) لمرض السل.
• الاختلاف في طرق التخالط في المجتمعات والتي سينتج عنها درجات مختلفة لمناعة القطيع.
إذا أخذنا في الاعتبار المتغيّرات الأولى والأكثر أهمية: وصول اللقاحات، فعاليتها وتبنيها. نرى أربعة سيناريوهات معقولة لفعّالية اللقاح واعتماده. ستؤدي تركيبات مختلفة من هذين العاملين إلى مستويات مختلفة من المناعة الممنوحة، ما يشير إلى مدى المناعة الطبيعية المطلوبة للوصول إلى مناعة القطيع في ظل كل سيناريو. قد تكون التركيبة من الفعّالية والتأقلم أبعد مما هو ظاهر.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره


أنقر على الرسم البياني لتكبيره


أنقر على الرسم البياني لتكبيره


أنقر على الرسم البياني لتكبيره



ستعبّر المتغيرات الأخرى أيضاً عن الجدول الزمني للوصول إلى مناعة القطيع. بناءً على قراءتنا للوضع الحالي المتعلق بالمتغيرات، والتقدّم المحتمل لها في الأشهر المقبلة، فإننا نقدّر أن يكون التوقيت الأكثر ترجيحاً لتحقيق مناعة القطيع في الولايات المتحدة، في الربع الثالث أو الرابع من عام 2021. كما أشرنا سابقاً (في تموز 2020)، قد يحصل لقاح واحد أو أكثر ترخيصاً من إدارة الغذاء والدواء الأميركية للاستخدام الطارئ قبل نهاية عام 2020 (أو مطلع عام 2021)، والحصول على طلب بيولوجي (المعروف أيضاً باسم الموافقة) خلال الربع الأول من عام 2021.
توزيع اللقاح على نسبة كافية من السكان لتحفيز مناعة القطيع قد يحصل خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر. يتطلب ذلك التوافر السريع لمئات ملايين الجرعات، وفاعلية سلاسل إمداد اللقاحات، واستعداد الناس للتلقيح، خلال النصف الأول من عام 2021. نعتقد أن هذه كلها توقّعات معقولة استناداً إلى البيانات العامة الصادرة عن مصنّعي اللقاحات ونتائج استطلاعات الرأي حول رأي المستهلك حول اللقاحات.
يمكن الوصول إلى مناعة القطيع في أقرب وقت ممكن في الربع الثاني من عام 2021 إذا كانت اللقاحات عالية الفعّالية واستُخدمت بسلاسة، أو إذا اكتُشف حصول «المناعة المتقاطعة» لدى مجموعة سكانية. كذلك، قد لا يكون متاحاً بلوغ النهاية الوبائية حتى عام 2022 أو ما بعده إذا كان المرشحون الأوائل للقاح لديهم مشاكل تتعلق بالفعّالية أو السلامة أو إذا كان توزيع اللقاحات وتبنّيها بطيئيْن.
في أسوأ الأحوال، نرى احتمالاً طويل الأمد يتمثّل في أن الولايات المتحدة لا تزال تكافح COVID-19 حتى عام 2023 وما بعده إذا كانت مجموعة من العوامل (الفعّالية المنخفضة للقاحات، مدة قصيرة من المناعة الطبيعية) تصطف ضدنا.
يُرجح أن تكون الطرق المؤدية إلى مناعة القطيع في البلدان الأخرى ذات الدخل المرتفع مشابهة إلى حد كبير لتلك الموجودة في الولايات المتحدة. ستختلف الجداول الزمنية بناءً على الاختلافات في الوصول إلى اللقاح وطرحه ومستويات المناعة الطبيعية، وربما في مستويات «المناعة المتقاطعة» والتغطية السابقة للقاحات الأخرى مثل لقاح BCG. حتى مع وصول بعض المجتمعات إلى مناعة القطيع، فمن المرجح أن تبقى هناك جيوب من COVID-19 حول العالم مثل المناطق المتأثرة بالحرب، أو في المجتمعات التي تستخدم اللقاحات بشكل منخفض باستمرار. في مثل هذه الأماكن، فإن بلوغ مناعة القطيع ضدّ COVID-19 قد يكون مماثلاً للحصبة – أي أنه ليس تهديداً يومياً لمعظم الناس، إلا أنه خطر مستمر. إذا تضاءلت المناعة - على سبيل المثال، إذا لم يتم اعتماد اللقاحات المعزّزة بشكل كامل - فقد يصبح COVID-19 مستوطناً على نطاق واسع.
إن بلوغ مناعة القطيع لا يعني نهاية كاملة لجميع تدخلات النظم الصحية. فمن المحتمل أن تكون هناك حاجة إلى عمليات إعادة التطعيم المنتظمة للحفاظ على المناعة، وستكون هناك حاجة للترصد المتواصل. مناعة القطيع تعني أنه يمكن رفع تدابير الطوارئ المعمول بها حالياً في العديد من البلدان.
إن الوتيرة التي تخفّف بها الحكومات التدابير الصحية العامة ستكون حاسمة. بعض هذه الإجراءات (مثل الإغلاق الكامل والقيود المفروضة على صناعات معينة) لها عواقب اجتماعية واقتصادية كبيرة، والبعض الآخر (مثل الاختبار والتعقب)، رغم أنها مكلفة، لا تؤدي إلى ذلك. يستخدم عدد من الحكومات حزماً من التدابير التي تهدف إلى تقليل عدد حالات COVID-19 والوفيات الزائدة مع تعظيم درجات الحرية الاجتماعية والاقتصادية.

الانتقال إلى الوضع الطبيعي
يمكن الوصول إلى نقطة النهاية الثانية للوباء قبل النقطة الأولى. نقدّر أن التوقيت المرجح لحدوث ذلك، هو الربع الأول أو الثاني من عام 2021 في الولايات المتحدة وفي الاقتصادات المتقدمة الأخرى. العامل الرئيس هو انخفاض معدل الوفيات.
نما المجتمع معتاداً على تتبع عدد إصابات COVID-19 (عدد الحالات). لكن أهمية الحالات مهمّة في المقام الأول لأن الناس يموتون من المرض ولأن من ينجون منه قد يعانون من عواقب صحية طويلة الأمد بعد الإصابة. هذا الأخير هو مجال من عدم اليقين العلمي، لكنّ هناك قلقاً من أن بعض المرضى المتعافين سيواجهون آثاراً طويلة المدى.
شهدت غالبية البلدان تقدماً كبيراً في تقليل عدد الوفيات والاستشفاء المرتبطة بـCOVID-19. البعض يقترب من القضاء على الوفيات الزائدة. تم تحقيق هذه النتائج بشكل عام من خلال مجموعة من التدخلات ذات الفعالية المعتدلة بدلاً من «الانفجار الكبير».
سيأتي الانتقال إلى الوضع الطبيعي التالي، بأي شكل من الأشكال، تدريجاً عندما يستعيد الناس الثقة بأنهم قادرون على فعل ما اعتادوا القيام به من دون تعريض أنفسهم أو الآخرين للخطر. يتطلب اكتساب هذه الثقة استمرار التقدم المحرز لتقليل الوفيات والمضاعفات، بالإضافة إلى مزيد من الدراسة العلمية بشأن العواقب الصحية الطويلة المدى للمرضى المتعافين. عندما تستعاد الثقة، سيملأ الناس الحانات والمطاعم والمسارح والأماكن الرياضية مرة أخرى بكامل طاقتها؛ السفر إلى الخارج (باستثناء السكان الأكثر عرضة للخطر)؛ وتلقي رعاية طبية روتينية بمستويات مماثلة لتلك التي شوهدت قبل الجائحة.
يُرجح أن تكون الطرق المؤدية إلى مناعة القطيع في البلدان ذات الدخل المرتفع مشابهة إلى حد كبير لتلك الموجودة في الولايات المتحدة


يعتمد توقيت هذا التحول على التقدّم نحو مناعة القطيع (نظراً إلى المزيد من الأشخاص ذوي المناعة يعني عدداً أقل من الوفيات ونتائج صحية طويلة الأجل)، وعلى فعالية استجابة النظم الصحية في الدولة. التحوّل سيكون تدريجاً. لقد بدأت بالفعل في بعض المواقع ويمكن أن تتقدم بشكل جيد في معظم البلدان بحلول الربع الأول أو الثاني من عام 2021. ونظراً إلى الترابط بين الاقتصاد العالمي، فإن الجداول الزمنية للعودة إلى الوضع الطبيعي ليست مستقلة تماماً عن بعضها البعض.
لتحقيق ذلك، سنحتاج إلى تقدّم كبير في نقطة النهاية الوبائية، بما في ذلك لقاح فعال يتلقّى الموافقة على تصريح الاستخدام في حالات الطوارئ خلال الربع الرابع من عام 2020 أو الربع الأول من عام 2021، يليه طرحه بشكل سلس وتبنيه. النتائج المؤاتية على المناعة الطبيعية والمتقاطعة ستساعد في تسريع الجداول الزمنية. ستسهم خمسة معايير إضافية أيضاً في الانتقال إلى شكل من أشكال الحياة الطبيعية، فكلما تحقّق المزيد من هذه المعايير، يرجح الوصول أسرع إلى الهدف الرئيس:
• التحسين المتواصل من الحكومات لفرض التدخلات الصحية (مثل الاختبار والتتبع) التي لا تحدّ بشكل كبير من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية.
• الالتزام بإجراءات الصحة العامة حتى نحقق مناعة القطيع.
• اختبارات دقيقة وسريعة ومتاحة على نطاق واسع تسمح بنشاطات محدّدة.
• التطورات المستمرة في العلاجات (بما في ذلك الوقائية قبل وبعد التعرض) للإدارة السريرية لـ COVID-19، ما يؤدي إلى انخفاض معدلات وفيات العدوى – بالفعل نشهد تقدماً كبيراً من خلال مجموعة من الأدوية الفعالة، مثل ديكساميثازون وريمديسفير، وتغييرات في الإدارة السريرية.
• ثقة الجمهور بأنه لا توجد عواقب صحية كبيرة طويلة المدى لأولئك الذين يتعافون من COVID-19.
إن انتهاء الوباء والعودة إلى الحالة الطبيعية مهمان. يمثّل الانتقال إلى الوضع الطبيعي التالي هدفاً اجتماعياً واقتصادياً مهماً، ومناعة القطيع هي نهاية أكثر تحديداً للوباء. ورغم أن الانتقال إلى الوضع الطبيعي في الولايات المتحدة قد يتحقق في وقت أقرب، فيرجح بلوغ نقطة النهاية الوبائية في النصف الثاني من عام 2021. ويحتمل أن تكون الاقتصادات المتقدمة الأخرى على جداول زمنية مماثلة.

* مقال أعدّه فريق عمل في شركة ماكنزي: سارون شاروميليند وجيسيكا لامب وهما شريكان في مكتب ماكينزي في فيلادلفيا، مات كرافن وهو شريك في مكتب سيليكون فالي، آدم سابو وهو شريك رئيسٌ في مكتب شيكاغو، مات ويلسون وهو شريك رئيسٌ في مكتب نيويورك.
ساهم في إعداد المقال غوراف أغراوال، كزافييه أزكو، جنيفر هيلر، أنتوني راميريز، تايلور راي وسفين سميت وحرّره مارك ستابلز

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا