الدكتور فيصل القاق
لقد مرّ على اللبنانيين تسع سنوات من التعهّد الأخير في عام 2008 الذي قضى بالاتّفاق على قانون انتخابي عادل، وليس هناك ما يبشّر بذلك، لعدم شعور البعض بالراحة التي يشعر بها البعض الآخر. كما مرّ على المناهج التربوية صولات وجولات فيما يخص كتاب التاريخ ولم يرس تاريخنا على برّ واحد.

هي «الحدّوتة» المملّة نفسها، تلك التي تعيد نفسها في مناهج التربية على الصحّة الجنسية والإنجابية. خاض لبنان تجربتين حقيقيتين في ما يخصّ تلك المسألة ووصل إلى نقاش متقدّم، ثمّ ما لبث أن انكفأ تحت سطوة المزايدة والتشرذم وغياب الدعم السياسي الجدي.
لم يترك لبنان اتفاقية تتعلق بالنهوض التربوي أو السياسات السكانية أو حقوق الطفل أو القضاء على التمييز من دون الانضمام إليها وتوقيعها. يضاف إليها البيانات الوزارية وغيرها الكثير الذي تمحور حول «لا بد من إدراج التثقيف حول قضايا الصحة الإنجابية» و«إعداد الطفل لحياة تستشعر المسؤولية في مجتمع حر» و«تغيير الأنماط الاجتماعية لمنع التمييز». برغم كل تلك الوعود والالتزامات، ليس هناك من منهج تربوي يتضمّن بنية صلبة متراصّة حول التربية على الصحة الإنجابية والجنسية والجندر، ولا من تربويين محترفين في هذا المجال. ولا تزيد من سوريالية الواقع إلا مشهدية محزنة لعشرات الآلاف من الشباب في المدارس متروكين لمعلومات الغرف السرية وسطحيّتها.
أولى التجارب كانت منذ حوالى عشرين عاماً مع البدايات الخجولة والمتفائلة من وزارة التربية والتعليم العالي والمركز التربوي للبحوث والإنماء في إدراج الصحة الإنجابية في منهج علم الأحياء. انتهت التجربة في علم الأموات، بعد أن سقطت بالضربة القاضية من قبل بعض الهيئات الاجتماعية والدينية. واستعر حينها النقاش حول حصرية التربية الجنسية والإنجابية، ومن يمتلك حق تدريسها كالعائلة ورجال الدين، وما إذا كانت المدرسة تصلح لذلك أم لا، علماً أنّ عشرات الدراسات العالمية والمؤسسات الرسمية في لبنان والجامعة الأميركية في بيروت حسمت أهمية ومركزية المدرسة كمكان أساسي لتلك التربية.
في عام 2009، وبعد جهد سنوات من الورش العلمية وإجراء أبحاث مع الأهل وداخل المدارس، أطلقت وزارة التربية في حينها «منهاج المهارات الحياتية الخاصة بالتربية على الصحة الإنجابية من منظور الجندر»، معتمداً أسس التعليم الناشط وموزعاً على مراحل التعليم وسنواته. وكانت خطابات وكانت أفراح بالإنجاز الذي طال انتظاره، ولكن كانت أيضاً أتراح واعتراضات. تمت مواكبة المنهاج من الجمعيات والجامعات، حيث قام مشروع «صحة الشباب الجنسية والإنجابية» في كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت، بالتعاون مع وزارة التربية، بتدريب مئات الأساتذة والمرشدين الصحيين والتربويين حول مهارات التربية على الصحة الإنجابية و«الجنسية».
لم يتوقف الأمر هنا، بل تم إنجاز كتابين تطبيقيين لمساعدة الأهل في التحدث مع أولادهم عن الصحة الإنجابية والجنسية، من قبل مشروع الشباب والشبكة العربية للجنسانية والصحة الجنسية في الجامعة الأميركية. كما أدخلت الجامعة اليسوعية مقررين تعليميين تطبيقيين عن الصحة الإنجابية.
كثيرة هي النشاطات التي تجرى حالياً حول الصحة الجنسية والتثقيف الجنسي، وكثيرة هي التحفظات والاعتراضات لأسباب لا علاقة لها بالوقائع والدراسات، بل بالخوف والعجز والتلطي، تماماً كما يجري في أية مسألة ذات بعد وطني أو طائفي. هناك مسائل جدية مطروحة في التربية الإنجابية والجنسية تلامس وتهز البنى التربوية والطائفية والمجتمعية، ولا بد من الخوض بها بروح منفتحة وعلمية. مواضيع شائكة تتعلق بأحقية التربية الجنسية ومن يقوم بها؟ من يكفل الحريات الشخصية ومن ضمنها الجنسية؟ دور الأهل والشباب أنفسهم؟
إن فرصة «منهاج المهارات الحياتية» جدية وثمينة، والجهد فيها كان هائلاً، ولا يضرنّ أحد أن يستكمل النقاش من هناك وأن يتعزز إشراك كل المعنيين باتجاه الاتفاق على مرجعية موارد أساسية وإضافية تغرف منها المرجعيات التربوية بين حدين أقصى وأدنى. يمكن أن لا نتفق على منهاج موحد على غرار عدم اتفاقنا على كل ما هو خاص أو عام، ولكن الذهاب في اتجاه تعزيز الصحة والسلامة ومنع الخطر أمر يجب الاتفاق عليه.
* اختصاصي جراحة نسائية
وتوليد وصحّة جنسية