يختلف المشهد في الجنوب السوري اختلافاً كبيراً عن نظيره في الشمال. الجهات الإقليمية والدولية الداعمة كانت حريصةً على الحدّ من المدّ «الجهادي»، بفعل عوامل عدة. من أبرزها ما يمثله «الجهاديون» من هاجسٍ للأردن، وإسرائيل معاً. وإذا كان الأتراك في الشمال متحررين من مخاوف وجود بيئة تركية حاضنة للفكر «الجهادي»، فإن الأمر مختلفٌ جذرياً بالنسبة إلى الأردن. انطلاقاً من هذا التفصيل جاء الحرص على تقييد نفوذ «جبهة النصرة» في الجنوب السوري بضوابط عدّة، كما حوربَ تنظيم «الدولة الإسلامية» بطريقة أكثر جديّة مما يدور في الشمال. ورغمَ ذلك ما زال التنظيم محتفظاً بأوراق فاعلة عبر «مبايعات» بعضها معلن وبعضها سري في ريف دمشق، والقلمون، وريف درعا، غيرَ أنّ التصدي للتنظيم يبدو أولوية مُطلقة للجهات الإقليمية والدولية. ويختلف الحال في القلمون عنه قرب الحدود الأردنية، إذ مثّل النفوذ «الجهادي» ثقلاً أساسياً في المشهد القلموني بفعل الجيرة مع مناطق لبنانية كانت حاضناً وداعماً. الدولة السورية بدورها أفلحت في استثمار الظروف والمعطيات لعزل «النصرة» و«داعش» عن محيطهما «الحاضن» في محيط دمشق وريفها على وجه الخصوص. وكان هذا الأسلوب مفيداً في إتاحة الفرص أمام المزيد من التسويات، وتوسيع الطوق الآمن للعاصمة. أبرز الأحداث اللافتة في هذا السياق شهدتها المنطقة بين آذار الماضي والحالي كانت «ترحيل» أعداد من «الجهاديين» إلى الشمال إثر اتفاقات مع السلطات السورية. وبعدما استفحلت خلال السنوات الماضية سيطرة المجموعات المسلحة في الجنوب السوري (درعا، القنيطرة، ريف دمشق) بدا أن الجيش السوري وحلفاءه اتخذوا قراراً بإعادة الأمور إلى نصابها وفقاً لبوصلتهم. في خطوة متعددة الأهداف، وعلى رأسها الحفاظ على أمن العاصمة وطوقها. رغم ذلك، ما زالت مناطق واسعة من الغوطة الشرقيّة تُمثل هاجساً للسلطات.
يختلف المشهد في الجنوب على نحو كبير عن نظيره في الشمال


دوما «أم المعارك المؤجّلة»

تُعدّ دوما معقل «جيش الإسلام» الذي استمرّ مهيمناً على المشهد، رغم منازعة مجموعات أخرى له. ومن دون سيطرة الجيش السوري على المدينة لا يمكن الحديث عن استقرارٍ آمنٍ في العاصمة، على أن سيطرة مماثلة تبدو أمراً متعذراً حتى الآن. يُمثّل «جيش الإسلام» مركز ثقلٍ أساسيا في الغوطة بالعموم. يتجاوز عديد مسلحيه حاجز العشرة آلاف، ويقيم معسكرات تدريب مستمرة، كما يمتلك مخزوناً لا يستهان به من الأسلحة، برغمَ أنه لم يُظهر فاعليّة تتناسب معها حتى الآن. وتمثّل مساحة دوما الواسعة، علاوةً على صعوبة تطويقها من كل الجهات، وعدد المدنيين الكبير فيها عوامل أساسيّة في صعوبة معركتها المؤجلة، واقتصار نشاط الجيش السوري فيها على القصف الجوي والصاروخي. ورغم أنّ البيئة الحاضنة للنشاط المسلّح لم تعد كما كانت عليه في السنوات السابقة، لا يبدو من السهل أن تشهد المدينة نوعاً من المصالحات، إلّا إذا أُبرمت صفقة على نحو مباشر مع «جيش الإسلام».

مسلّحو درعا والقنيطرة

تحضر في درعا والقنيطرة عشرات المجموعات المحليّة، من إسلامية وغيرها. تتولّى غرفة عمليات «الموك» إدارة تحركات المجموعات المسلحة وعملياتها بشكل تام، بما في ذلك «جبهة النصرة» (وإن لم تكن الإدارة دائماً على نحو مباشر). ويبدو أن إحدى نتائج هذه «الإدارة» كانت موافقة عدد من أبرز المجموعات فعالية على «الاتفاق على وقف الأعمال القتالية» الذي أُبرم أخيراً. ومنها «جيش اليرموك» الذي أنشأ لنفسه «مكتباً سياسيّاً» يتزعّمه قائده السابق بشار الزعبي، و«تجمّع ألوية العمري» المحسوب على «جبهة ثوار سوريا»، و«الفوج الأول مدفعية» التابع لـ«المجلس العسكري بدرعا»، و«الجبهة الجنوبية في الجيش الحر». وعلاوة على «الموك» استمرّت الاستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة حاضرةً بقوّة في التخطيط لبعض معارك القنيطرة على وجه الخصوص.
المجموعات «الجهاديّة» حافظت على وجودها في درعا بطبيعة الحال، وما زال نفوذ «النصرة» وازناً في عدد من المناطق. ورغم الحذر الذي تبديه «الموك» من «الجهاديين» غير أن وجود «النصرة» يبدو ضرورياً لمواجهة مخاطر المجموعات المرتبطة أو المتهمة بالارتباط مع تنظيم «داعش». ومن أبرزها «لواء شهداء اليرموك» الذي أعلن أخيراً تعيين «أمير» جديد له هو السعودي أبو عبد الله المدني، خلفا لـ«الأمير» أبو عبيدة القحطاني. في تشرين الثاني الماضي أصيب بـ«نكبة» إثر مقتل عدد من قادته في تفجير استهدفهم وتُرجّح مسؤولية «جبهة النصرة» عنه، وكان على رأسهم أبو علي البريدي الملقّب بـ«الخال».