منذ الإعلان عن وقفٍ مُرتَقبٍ لإطلاق النار عكَست التصريحاتُ تشكيكاً مُتبادَلاً بين الأفرقاء بما في ذلك «الراعيَين» الأساسيّين للهدنة (روسيا، والولايات المتحدة). ضمن هذا السياق يأتي استمرار الأخذ والردّ بين «الراعيين» في شأن وجود خططٍ أميركية تستبقُ فشلاً محتملاً للهُدنة. ويمكن إدراج التصريحات الأميركيّة المتتاليةُ حول «الخطة ب» في خانة الضغوط السياسيّة، من دون إغفال أثر «تفاؤلي» قد تتركَه لدى المجموعات المُسلّحة التي لم تفقد الأملَ (كليّاً) بتلقّي «نجدة» عسكرية تُعيدُ قلب الموازين على الأرض على نحوٍ مشابهٍ لما فعله الدخول الروسي ولكن بعكس الاتجاه. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى ما ذكرته صحيفة «واشنطن بوست» أمس حول «طلب البيت الأبيض في سلسلة من الاجتماعات إعداد خيارات عسكرية وغير عسكرية في حال انهيار الاتفاق». الصحيفة نقلت عن مسؤولين لم تسمّهم قولهم إنّ «الخيارات لا تهدف بالضرورة الى معاقبة روسيا بصورة مباشرة، بل زيادة الدعم الاميركي للفصائل المعتدلة».
تقهقر المجموعات المسلّحة في الشمال يرجّح انضمامها إلى الاتفاق
في المقابل جاء تبنّي موسكو لهجةً حاسمةً في شأن «الخطّة» بمثابة «ضربةٍ وقائية» مُرّرت على لسان وزير الخارجيّة سيرغي لافروف «لقد قلنا كل شيء في ما يخص الخطة ب، لا توجد ولن تكون أبداً عند أيّ جهة». فيما اتّهمت المتحدّثة باسم الخارجية الروسيّة بعض المسؤولين الأميركيين بـ«محاولة تخريب خطّة وقف إطلاق النار». التصريحات الروسية جاءت ردّاً على التصريحات الأميركية المتكرّرة في هذا الشأن، وآخرُها تأكيدُ نظيره جون كيري وجود مناقشات بين بلاده وحلفائها حول خطّة بديلة، في حال أخفق اتفاق الهدنة وعملية الانتقال السياسي في سوريا. وقال كيري في جلسة استماع أمام الكونغرس «نأمل أننا سنتمكن من دفعه (الحل السياسي) خلال شهر واحد على الأقل (...). إذا كانوا غير جديّين فسوف نتحدث عن تفاصيل الخطة ب». أنقرة والرّياض أيضاً اختارتا توجيه «رسائلَ ناريّة» على طريقتهما. في توقيتٍ لافتٍ أُعلن عن وصول وشيكٍ طائراتٍ سعوديّة إلى قاعدة أنجرليك العسكريّة التركية، بينما كان رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو يلوّح بـ«قبضةٍ حديديّة» ضدّ الفصائل الكرديّة: «وقف إطلاق النار لن يكون ملزماً إذا هدّد أمن تركيا. (...) سنتخذ الإجراءات اللازمة مع كل من وحدات حماية الشعب وداعش عندما نرى أن الأمر يتطلب هذا». وجاءت تصريحات داود أوغلو رغمَ إعلان «وحدات حماية الشعب» الكردية التزامها وقف إطلاق النار. وعلى نحوٍ مشابهٍ للمشهد عشيّة اجتماع «جنيف 3»، بدا المشهدُ أمس في شأن الهدنة: تصعيدٌ واتّهامات، وترقّب لمدى تأثير القرار السياسي للمعارضة على المجموعات المنتشرة على الأرض. نائب رئيس «الهيئة العليا للتفاوض» يحيى القضماني أكّد أنّ «الهيئة حصلت على شبه إجماع من الفصائل العسكرية المعتدلة المؤثرة على الارض»، وفوّضتها «أخذ القرارات التي تخص الحلّ السياسي وموضوع الهدنة». القضماني وفي ما يُشبه بياناً عبرَ صفحته على موقع التّواصل الاجتماعي فايسبوك قال إنّه «ولأول مرة منذ قيام الثوره تتوحد رؤى قوى المعارضة السياسية والقوى الثورية على الأرض وتتوافق في مواقفها السياسيه وقرارها الاستراتيجي لإيجاد حل سياسي عادل لقضية شعبنا وتنال احترام العالم واعترافه بها». وحتى مساء أمس لم يصدر عن أي مجموعة مسلّحة «موقف رسمي» في شأن الهدنة، رغم تأكيد مصدر سوريّ واسع الاطلاع لـ«الأخبار» أنّ «بعض المجموعات قد تواصلَت مع الأصدقاء الروس وأبلغتهم التزامها». ومن المنتظر أن يكون «جيش الإسلام» أكبر المجموعات التي ستُعلن انضمامها للاتّفاق، حسبَ ما أكده مصدرٌ من داخله لـ«الأخبار». كذلك، تُعد موافقة المجموعات المشاركة في «الهيئة العليا للتّفاوض» شبهَ ناجزة باستثناء غموض يشوب كواليس «حركة أحرار الشام الإسلاميّة». ويؤدي تقهقرُ المجموعات المسلّحة في الشمال دوراً في ترجيح انضمامها إلى الاتفاق. ومن بين المنضمّين المُحتملين عدد من المجموعات التركمانيّة، إضافة إلى «جيش النصر»، و«لواء الحرية»، و«جيش المجاهدين»، و«حركة نور الدين الزنكي». وأكّد مصدرٌ من داخل الأخيرة لـ«الأخبار» أنّ «خيار الانضمام محسوم، ونحن بصدد اتخاذ الإجراءات اللازمة». كذلك، يُنتظر انضمام «تحالف صقور الجنوب» في درعا وما حولَها، إضافةً إلى «جيش العزّة»، و«الفرقة الوسطى» الحاضرَين في وسط البلاد. ويُثير انتشار «جبهة النصرة» في عددٍ من هذه المناطق مخاوف من «استغلال الطائرات الروسيّة بذريعة ضرب النصرة»، وفقاً لما أكّده مصدرٌ من «جيش العزّة» لـ«الأخبار».