السودان | «السيادي» يواصل التقرّب من إيران: رهانات جديدة
مثّل وصول وزير الخارجية السوداني، حسين عوض، إلى طهران، أول من أمس، لحضور مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، علامة أخرى على جدّية البلدين في المضيّ قدماً في مسار تعميق علاقاتهما الثنائية، وعدم الاكتفاء بالتعاون المرحلي الذي ساد منذ نهاية عام 2023، والمتعلّق بملفّ دعم الجيش السوداني في مواجهة قوات «الدعم السريع».
تقارب إيراني - سوداني حذر: في انتظار المبادرة؟
خلال لقائه وزير الخارجية السوداني، وصف القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني، علي باقري كني، زيارة عوض، باعتبارها «مؤشراً إلى العزم الجادّ لكبار مسؤولي السودان، على تقوية العلاقات بين البلدَين المسلمَين»، علماً أنّ أيّ اندفاعة قوية في هذا المسار لم تَظهر بعد، فيما يخشى البعض من قيام «مجلس السيادة» السوداني بقفزة في الهواء لفكّ الارتباط مع الوساطة السعودية - الأميركية، في ظلّ التوتّر المكتوم لعلاقاته مع أطراف إقليمية، من بينها دول مجاورة كانت محسوبة تقليدياً على الجهة الداعمة للجيش. وبحسب هؤلاء، فإن قدرة هذا الأخير على مواجهة «العزلة» التي ستترتّب على تعميق علاقاته مع طهران، ستكون محدودة، وربّما تهدّد بانفلات أكبر للأزمة الحالية، مع جنوح أبو ظبي والرياض نحو تقديم دعم أكبر لقوات «الدعم السريع»، عسكرياً وسياسياً.
ومهما يكن، فإن ما تشهده المنطقة من إعادة تشكيل للتحالفات (مثل ما يلاحظ من توافق مصري - تركي مع دول من مثل إريتريا والصومال لصياغة سياسات مشتركة)، ورغبة الجيش السوداني في الاضطلاع بدور رئيسيّ في تلك الترتيبات، عنصران دالّان في مسار التقارب السوداني - الإيراني. كما أن هذا التقارب يمثّل خياراً بديلاً لـ«مجلس السيادة» لتعزيز قدرته على مواجهة عمليات «الدعم»، والضغوط الإقليمية في الوقت نفسه. لكن المبادرة الحقيقية في تطوير تعاون كهذا تظلّ أساساً في يد طهران، في انتظار تبلور رؤية بزشكيان، الذي يلاحظ - مبدئيّاً - جنوحه نحو تبنّي سياسة خارجية متوازنة.
عامل البحر الأحمر
جدّدت زيارة عوض لطهران النقاش حول عرض إيران الحصول على وجود بحري «دائم» على ساحل البحر الأحمر السوداني، في مقابل «استمرار حصول الخرطوم على دعم عسكري إيراني». وبغضّ النظر عن طبيعة العرض الإيراني والاستجابة السودانية، فإن مسارعة الجيش السوداني إلى نفي تقارير تحدّثت عن رفضه العرض الإيراني، وفق بيان رسمي أصدره مكتب الناطق باسم الجيش (17 الجاري)، ووصْفه تلك التقارير بـ»غير الصحيحة»، يشير بشكل غير مباشر إلى استمرار مفاوضات الجانبَين حول المسألة. ودعا باقري، خلال اللقاء، إلى تقوية علاقات البلدين في ما يخصّ القضايا التي تؤثّر عليهما «وعلى العالم الإسلامي»، ولا سيما مواجهة جرائم الحرب والإبادة في غزة، ودعم حقوق الشعب الفلسطيني والدفاع عنها. وأكد عوض، من جهته، استعداد السودان الكامل للتعاون الوثيق مع إيران «على المستوى الدولي».
وتأتي جهود إيران للحصول على موطئ قدم لها على سواحل السودان، وسط تصعيد مستمر في البحر الأحمر، وفشل أميركي - بريطاني في إحكام السيطرة على مساره، علماً أن مراقبين أميركيين وصفوه بأنه الأعنف في الإقليم منذ عقود، وأنه يتجاوز ما عُرف بحرب البوارج في ثمانينيات القرن الماضي، وأن دعوات بدأت تبرز إلى ضرورة «القضاء على البحرية الإيرانية» كمدخل رئيسيّ للقضاء على حركة «أنصار الله» في اليمن وإعادة الانضباط إلى البحر الأحمر (وول ستريت جورنال - 22 الجاري)، بعد فشل ثلاث إدارات أميركية متعاقبة في هذه المهمّة. كذلك، تتزايد احتمالات وقوع حربَين إقليميّتَين جنوب البحر الأحمر وقرب شماله أكثر من أيّ وقت مضى، في ظلّ التصعيد الإثيوبي - الإريتري المقلق، وعلى خلفيته الأزمة الصومالية - الإثيوبية على الصعيدين الديبلوماسي والعسكري، فضلاً عن التوتر الإسرائيلي - اللبناني المتصاعد. وهكذا، فإن التقارب الإيراني - السوداني لا ينفصل عن هذه التطورات، ولا عن رؤية طهران لخريطة عملها الإقليمية في ظلّ إدارة بزشكيان.
وفي نطاق البحر الأحمر، يبدو خيار الخرطوم التقارب الوثيق مع طهران منطقيّاً، وسط تزايد الضغوط السعودية (المصرية) على «مجلس السيادة» للانخراط في محادثات السلام المزمع عقدها في جنيف، منتصف الشهر المقبل، والتي ستشارك فيها قوات «الدعم السريع»، فيما لا يزال الجيش متحفّظاً إزاء حسم موقفه منها. أيضاً، يمثّل التقارب المشار إليه، ورقةً في يد «المجلس» لمواجهة الضغوط الإقليمية لدفع الجيش إلى التراجع عن موقفه بوسم «الدعم» بـ»غير الشرعية»، وضرورة إطلاق «محادثات السلام» من هذه النقطة، قبل بدء عملية دمج عناصرها في القوات المسلحة، ومن ثم وضع أساس مقبول، من وجهة نظر «المجلس»، لإطلاق عملية سياسية شاملة في السودان، استناداً إلى مقرّرات «منبر جدة».
خلاصة
يبدو من مواقف «مجلس السيادة» إزاء الدعوة الأميركية (والسعودية) لعقد جولة محادثات جديدة في جنيف، وتحفّظه عليها، أنه قرّر الاصطفاف خلف «الوساطة الأفريقية» كونها باتت أكثر تفهّماً لـ»هواجسه». كذلك، فإن قبول «المجلس» بإطلاق جولة ثانية من المحادثات التي يرعاها «الاتحاد الأفريقي»، وتشجيعه الجهود التي أعلنها وزير خارجية جنوب السودان، رمضان محمد عبد الله، أخيراً، لاستئناف محادثات سودانية - سودانية، وتجاهله محادثات جنيف، يشير إلى مَيْله إلى تبنّي سياسات خارجية أكثر استقلالية عن «الشركاء التقليديين» (السعودية والإمارات ومصر)، لا تستثني بطبيعة الحال تعميق العلاقات مع إيران بمستويات تدريجية، ريثما تقدم طهران لاحقاً على مبادرة أكثر وضوحاً وتكاملاً خارج معادلة المساعدات العسكرية للجيش، في مقابل الحصول على «قاعدة بحرية».
تقارب إيراني - سوداني حذر: في انتظار المبادرة؟
خلال لقائه وزير الخارجية السوداني، وصف القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني، علي باقري كني، زيارة عوض، باعتبارها «مؤشراً إلى العزم الجادّ لكبار مسؤولي السودان، على تقوية العلاقات بين البلدَين المسلمَين»، علماً أنّ أيّ اندفاعة قوية في هذا المسار لم تَظهر بعد، فيما يخشى البعض من قيام «مجلس السيادة» السوداني بقفزة في الهواء لفكّ الارتباط مع الوساطة السعودية - الأميركية، في ظلّ التوتّر المكتوم لعلاقاته مع أطراف إقليمية، من بينها دول مجاورة كانت محسوبة تقليدياً على الجهة الداعمة للجيش. وبحسب هؤلاء، فإن قدرة هذا الأخير على مواجهة «العزلة» التي ستترتّب على تعميق علاقاته مع طهران، ستكون محدودة، وربّما تهدّد بانفلات أكبر للأزمة الحالية، مع جنوح أبو ظبي والرياض نحو تقديم دعم أكبر لقوات «الدعم السريع»، عسكرياً وسياسياً.
ومهما يكن، فإن ما تشهده المنطقة من إعادة تشكيل للتحالفات (مثل ما يلاحظ من توافق مصري - تركي مع دول من مثل إريتريا والصومال لصياغة سياسات مشتركة)، ورغبة الجيش السوداني في الاضطلاع بدور رئيسيّ في تلك الترتيبات، عنصران دالّان في مسار التقارب السوداني - الإيراني. كما أن هذا التقارب يمثّل خياراً بديلاً لـ«مجلس السيادة» لتعزيز قدرته على مواجهة عمليات «الدعم»، والضغوط الإقليمية في الوقت نفسه. لكن المبادرة الحقيقية في تطوير تعاون كهذا تظلّ أساساً في يد طهران، في انتظار تبلور رؤية بزشكيان، الذي يلاحظ - مبدئيّاً - جنوحه نحو تبنّي سياسة خارجية متوازنة.
عامل البحر الأحمر
جدّدت زيارة عوض لطهران النقاش حول عرض إيران الحصول على وجود بحري «دائم» على ساحل البحر الأحمر السوداني، في مقابل «استمرار حصول الخرطوم على دعم عسكري إيراني». وبغضّ النظر عن طبيعة العرض الإيراني والاستجابة السودانية، فإن مسارعة الجيش السوداني إلى نفي تقارير تحدّثت عن رفضه العرض الإيراني، وفق بيان رسمي أصدره مكتب الناطق باسم الجيش (17 الجاري)، ووصْفه تلك التقارير بـ»غير الصحيحة»، يشير بشكل غير مباشر إلى استمرار مفاوضات الجانبَين حول المسألة. ودعا باقري، خلال اللقاء، إلى تقوية علاقات البلدين في ما يخصّ القضايا التي تؤثّر عليهما «وعلى العالم الإسلامي»، ولا سيما مواجهة جرائم الحرب والإبادة في غزة، ودعم حقوق الشعب الفلسطيني والدفاع عنها. وأكد عوض، من جهته، استعداد السودان الكامل للتعاون الوثيق مع إيران «على المستوى الدولي».
وتأتي جهود إيران للحصول على موطئ قدم لها على سواحل السودان، وسط تصعيد مستمر في البحر الأحمر، وفشل أميركي - بريطاني في إحكام السيطرة على مساره، علماً أن مراقبين أميركيين وصفوه بأنه الأعنف في الإقليم منذ عقود، وأنه يتجاوز ما عُرف بحرب البوارج في ثمانينيات القرن الماضي، وأن دعوات بدأت تبرز إلى ضرورة «القضاء على البحرية الإيرانية» كمدخل رئيسيّ للقضاء على حركة «أنصار الله» في اليمن وإعادة الانضباط إلى البحر الأحمر (وول ستريت جورنال - 22 الجاري)، بعد فشل ثلاث إدارات أميركية متعاقبة في هذه المهمّة. كذلك، تتزايد احتمالات وقوع حربَين إقليميّتَين جنوب البحر الأحمر وقرب شماله أكثر من أيّ وقت مضى، في ظلّ التصعيد الإثيوبي - الإريتري المقلق، وعلى خلفيته الأزمة الصومالية - الإثيوبية على الصعيدين الديبلوماسي والعسكري، فضلاً عن التوتر الإسرائيلي - اللبناني المتصاعد. وهكذا، فإن التقارب الإيراني - السوداني لا ينفصل عن هذه التطورات، ولا عن رؤية طهران لخريطة عملها الإقليمية في ظلّ إدارة بزشكيان.
وفي نطاق البحر الأحمر، يبدو خيار الخرطوم التقارب الوثيق مع طهران منطقيّاً، وسط تزايد الضغوط السعودية (المصرية) على «مجلس السيادة» للانخراط في محادثات السلام المزمع عقدها في جنيف، منتصف الشهر المقبل، والتي ستشارك فيها قوات «الدعم السريع»، فيما لا يزال الجيش متحفّظاً إزاء حسم موقفه منها. أيضاً، يمثّل التقارب المشار إليه، ورقةً في يد «المجلس» لمواجهة الضغوط الإقليمية لدفع الجيش إلى التراجع عن موقفه بوسم «الدعم» بـ»غير الشرعية»، وضرورة إطلاق «محادثات السلام» من هذه النقطة، قبل بدء عملية دمج عناصرها في القوات المسلحة، ومن ثم وضع أساس مقبول، من وجهة نظر «المجلس»، لإطلاق عملية سياسية شاملة في السودان، استناداً إلى مقرّرات «منبر جدة».
خلاصة
يبدو من مواقف «مجلس السيادة» إزاء الدعوة الأميركية (والسعودية) لعقد جولة محادثات جديدة في جنيف، وتحفّظه عليها، أنه قرّر الاصطفاف خلف «الوساطة الأفريقية» كونها باتت أكثر تفهّماً لـ»هواجسه». كذلك، فإن قبول «المجلس» بإطلاق جولة ثانية من المحادثات التي يرعاها «الاتحاد الأفريقي»، وتشجيعه الجهود التي أعلنها وزير خارجية جنوب السودان، رمضان محمد عبد الله، أخيراً، لاستئناف محادثات سودانية - سودانية، وتجاهله محادثات جنيف، يشير إلى مَيْله إلى تبنّي سياسات خارجية أكثر استقلالية عن «الشركاء التقليديين» (السعودية والإمارات ومصر)، لا تستثني بطبيعة الحال تعميق العلاقات مع إيران بمستويات تدريجية، ريثما تقدم طهران لاحقاً على مبادرة أكثر وضوحاً وتكاملاً خارج معادلة المساعدات العسكرية للجيش، في مقابل الحصول على «قاعدة بحرية».