القدس المحتلة | من بين جدران «سجنه»، ومن النافذة المطلة على الشارع المليء بضجيج الطلاب، سقطت دمعة الفتى عبد الله الجولاني، ناثرة معها كل أحلامه وهو ينظر إلى أصدقائه خلال ذهابهم إلى المدرسة دون أن يستطيع الالتحاق بهم. ذلك «السجن» لم يكن إلا بيته بعدما فرض الاحتلال الإسرائيلي عليه الإقامة الجبرية فيه!
عبد الله لم يتجاوز عمره أربعة عشر عاماً، وهو من سكان القدس المحتلة. حمل حقيبته الفارغة بكلتا يديه، وأخذ يدور بها داخل بيته، وهو يفكر في الوقت الذي يمكن أن تنتهي فيه مدة السجن، لأن الاحتلال لم يحدد موعداً لانتهاء هذه الإقامة.
وكان الجولاني قد اعتقله الاحتلال لأسبوع قضاه في غرفة ضيقة جداً تشاركه فيها الفئران. لذلك كان عليه أن يرضى، مع أهله، بالخيار الذي فرضه الاحتلال عليه، فحولت أمه وأبوه البيت جبراً إلى سجن لابنهما بقرار من قاضي محكمة الاحتلال قضي فيه بحبس الفتى منزلياً.
«أستطيع أن أرى مدرستي من نافذة البيت، لكن قدمي لا تستطيع تخطي عتبة البيت، وكل صباح يمر زميلي أحمد أبو نجمة الذي كان يجلس بجانبي طوال سبع سنوات ليطل عليّ قبل ذهابه إلى المدرسة... يجب أن أعود إلى مدرستي»، يقول عبد الله.
على قرب أمتار قليلة من منزل الجولاني، يقع منزل طفل آخر محكوم بالسجن المنزلي منذ أشهر، ومنذ حزيران الماضي لم يسمح الاحتلال للفتى رشيد الرشق (14 عاماً) بمغادرة منزله، وأخيراً سمح له بالخروج لساعات وجيزة (ثلاث ساعات) في المساء، وتحديداً من السابعة إلى الحادية عشرة.
ويعيش الرشق وغيره من المحكوم عليهم بالسجن المنزلي تفاصيل معاناة يومية، مع ذلك تبقى بيوتهم أهون قليلاً من سجون الاحتلال. لكن لم يتمكن نادي الأسير في القدس من حصر عدد الأطفال والفتية المسجونين منزلياً، وذلك بسبب حملة الاعتقال الواسعة التي نفذتها سلطات الاحتلال، وهي كانت قد اعتقلت خلال شهرين ما يزيد على 700 مقدسي، لتسجل المدينة المحتلة المركز الأول في عدد المعتقلين بين المحافظات الفلسطينية في تلك المدة. وتهدف سلطات الاحتلال بحبس الأطفال منزلياً إلى التأثير عليهم سلباً، وتقول إنها تعاقبهم على إلقائهم الحجارة على قوات الشرطة والجيش. ويرى متخصصون نفسيون أن هذه الطريقة لها تأثير سلبي من الناحية النفسية والأكاديمية على الأطفال، مشيرين إلى أن هناك حالات صاروا فيها يميلون إلى العزلة والعدوانية، وخاصة أن عائلة الطفل مجبرة على منعه من خرق الحبس المنزلي، وإلا فسيواجه ابنهم خطر الاعتقال مجدداً، فضلاً عن عجز عائلات كثيرة عن دفع المخالفات التي تفرضها عليهم المحاكم الإسرائيلية. وتصل المخالفة في هذه الحالة إلى أكثر من خمسة آلاف دولار أميركي، كما يفيد رئيس لجنة أهالي الأسرى والمحررين أمجد أبو عصب. ومن ناحية التحصيل العلمي، سُجل تدني مستويات من يتعرضون للسجن المنزلي إلى النصف أو أقل من ذلك، وهو ما حدث مع الفتى بهاء أبو الهوى الذي حصل على معدل 64% في امتحان الثانوية بعد أن قضى أكثر من شهرين داخل السجن المنزلي، مع أن معدله كان أفضل من تلك النتيجة.
كذلك يتعمد الاحتلال التضييق على السجين المنزلي باقتحام بيته في ساعات متأخرة من الليل للتأكد من وجوده فيه. وهنا تعلق الاختصاصية النفسية سندس غيث بالقول إن السجن المنزلي يشعر الطفل أو الفتى بالوحدة والانطواء، ما يسبب خلق حالة من العنف والسلبية تنعكس عليه وعلى والديه.