أغلق جيش الاحتلال الإسرائيلي، أخيراً، حسابه المفتوح مع منفّذَي عملية مستوطنة «الحمرا» في وادي الأردن، والتي قُتلت فيها ثلاث مجنّدات في السابع من نيسان الماضي. الشهيدان معاذ المصري (35 عاماً) وحسن قطناني (35 عاماً)، واللذان نفّذا الهجوم النوعي في منطقة الغور، كانا قد شغلا منظومة الأمن الإسرائيلية طوال شهر كامل، بالنظر إلى أن أسلوبهما في الانتقام لحرائر المسجد الأقصى، لفت الأنظار إلى ما هو أبعد من حدث عادي تدخّلت الصدفة في نجاحه، إذ اعترض الشهيدان بسيارتهما الخاصة، المركبة التي كانت تستقلّها المستوطِنات الثلاث، وأجبراها على الانحراف إلى أسفل جرف سحيق إلى جانب الطريق، ثمّ ترجّلا وأطلقا الرصاص باحترافية ودقّة بالغتَين، بعد أن تثبّتا من أن المستوطَنات الثلاث خدمن في جيش الاحتلال. وعلى مدار ذلك الشهر، لم تفصح «كتائب الشهيد عز الدين القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، عن مسؤوليّتها المباشرة عن العملية، إلى أن أعلنت، صباح أمس، أن الشهيدَين المصري وقطناني، رفقة إبراهيم جبر، هم مقاتلون منتمون إلى صفوفها بشكل رسمي. وفيما تبجّح قادة الاحتلال، وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بقدرات جيشهم، شيّع عشرات الآلاف جثامين الشهداء الثلاثة إلى مثواهم الأخير.وشاركت في عملية اغتيال المنفّذَين ومساعدهما، قوات «حرس الحدود»، والجيش، ووحدة العمليات الخاصة «يمام»، وجهاز الأمن العام «الشاباك»، واضطرّت خلالها المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية للزجّ بـ200 جندي لتأمين انسحاب القوّة الخاصة التي وقعت في كمين محكم. وبحسب مصادر ميدانية في البلدة القديمة في نابلس تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن «مقاومي كتيبة نابلس وعرين الأسود اكتشفوا أمر القوة في وقت مبكر، وأداروا اشتباكات عنيفة مع عناصرها، تسبّبت في وقوع إصابات محقَّقة في صفوفها»، مضيفة أنه «في خضمّ تطبيق تكتيك "طنجرة الضغط" على البيت المحاصَر، استطاع المصري وقطناني الاشتباك مع جنود اليمام، قبل أن تضطرّ الأخيرة لتفخيخ كلب بوليسي مدرّب وطيارة درونز، وتدفع بهما إلى داخل البيت الهدف، والذي تعرّض في وقت متزامن، لإطلاق العشرات من القذائف الموجَّهة وصليات الرصاص».
وقعت عملية الأغوار صباح السابع من نيسان الماضي، بالقرب من مفترق الحمرا شمال الضفة الغربية


في مخيم عسكر للاجئين، نشأ الصديقان الحميمان، المصري وقطناني، كما يقول أبو محمد، وهو جار الشهيدَين، مضيفاً أنهما ينحدران من عائلات مضحّية، معروفة بالانتماء إلى حركة «حماس»، وقد تعرّضا للاعتقال أكثر من مرّة في سجون الاحتلال. ويتابع في حديثه إلى «الأخبار»: «حسن ومعاذ هما نموذجان للشباب المخلص، الملتزم دينياً، معروفان بدماثة الخلق والسمعة الطبية، محبوبان جدّاً من الأطفال، وقد كانا قريبَين جدّاً من تلك الفئة، لنشاطهما في تنظيم دورات تحفيظ وتلاوة القرآن في مساجد المخيم». والشهيد قطناني متزوّج وأب لطفلَين، وكان قد اعتُقل في سجون العدو لعامين ونصف عام، وهو ابن عم الشهيد عثمان قطناني، الذي استشهد عام 2001 في عملية استهداف القائدَين «الحمساويَّيْن» في نابلس، جمال منصور وجمال سليم. أمّا الشهيد إبراهيم جبر (45 عاماً)، فقد كان طيلة أيام المطاردة «الأخ الأكبر» للشهيدَين، إذ تكبّد عناء توفير المسكن الآمن والاحتياجات اللوجستية، وقدّم لهما الرعاية على رغم مرضه بالسرطان، علماً أنه عاش وحيداً بعد وفاة والدَيه في منزله في البلدة القديمة.
ووقعت عملية الأغوار صباح السابع من نيسان الماضي، على الشارع الاستيطاني 57، بالقرب من مفترق الحمرا شمال الضفة الغربية، ما أسفر عن مقتل 3 مستوطِنات من مستوطَنة «إفرات» في بيت لحم. ويرى المحلّل السياسي، إسماعيل محمد، أن الوصول إلى منفّذيها لم يكن أمراً مستبعداً، بالنظر إلى فائض القوّة المخابراتية والعسكرية التي يمتلكها جيش الاحتلال، ويركّزها في مساحة جغرافية محدودة جداً. غير أن محمد يستبعد، في حديث إلى «الأخبار»، أن تعطي تصفية الحساب مع المقاومين، العدو امتياز القدرة على إجهاض عمليات مماثلة، «ولا سيما في ضوء تكتيك الدوائر المغلَقة الذي تنتهجه خلايا الظلّ التابعة لكتائب القسام، حيث لا تنشط في أيّ حضور ميداني، من قَبيل التصدي للاجتياحات وعمليات المشاغلة التقليدية، ويبدأ التخطيط للعمل في دواخلها، وينتهي بهجمات محكَمة، من دون أيّ ثغرة للاختراق، تسهم في إجهاض الفعل قبل وقوعه، ما يجعل المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية أمام تحدٍّ، لا يضع التبجّح واستعراض القوة نهاية له».