رام الله | تتّجه الأنظار، اليوم، إلى مدينة القدس المحتلّة، حيث يعتزم المستوطنون تكثيف انتهاكاتهم للمسجد الأقصى، وصولاً إلى «ذبح القرابين» داخله، والذي ينظَر إليه على أنه الخطوة الأولى على طريق إقامة «الهيكل» المزعوم. وعلى رغم ما تَظهره دولة الاحتلال من رعاية وحماية لتلك الانتهاكات، إلّا أن المرجّح أن لا تسمح باتّخاذ خطوة من النوع المذكور، إلّا إذا قرّرت المجازفة بالوضع الراهن - على ما يحتويه من عناصر خطورة كبيرة بالنسبة إليها -، والدفع نحو مواجهة لن تبقى محصورة في شوارع القدس، بل ستمتدّ على كامل مساحة فلسطين، التي تبدو أقرب إلى برميل بارود ينتظر فتيل اشتعال فحسب

على وقع استمرار حالة الاشتباك في الضفة الغربية المحتلّة، تتّجه الأنظار في الساعات المقبلة إلى مدينة القدس والمسجد الأقصى على وجه التحديد، في ظلّ تهديد المستوطِنين بتنظيم اقتحامات واسعة له الأربعاء، تزامناً مع «عيد الفصح» اليهودي، وتشجيع الجمعيات الاستيطانية عناصرها على إدخال القرابين وذبحها في ساحات المسجد. وكما عاشت الضفة ليلة ساخنة من الاقتحامات لبلداتٍ ومدن وقرى مختلفة، تخلّلتها مواجهات مسلّحة، عاشت مستوطنات ومدن الداخل المحتلّ وضعاً مشابهاً في ضوء تنفيذ عدّة عمليات فدائية هناك، كان آخرها في تل أبيب صباح الثلاثاء، حيث طعَن شابّ جنديَّين من جيش العدو، وأصاب أحدهما بجروح خطيرة، قبل أن تعتقله قوّات الاحتلال التي استنفرت في المكان، وقامت بعمليات تمشيط واسعة شاركت فيها المروحيات العسكرية. ولم تكن هذه العملية غير متوقَّعة، بالنظر إلى تصاعد جرائم العدو في الضفة، وأحدثها قتل مقاومَين في مدينة نابلس الاثنين، والاعتداء مساء كلّ يوم على المعتكفين في المسجد الأقصى. وإن كانت التوقّعات تشير إلى احتمالية تنفيذ عمليات أخرى، إلّا أن ذلك لا يحجب الفشل الأمني والاستخباري الإسرائيلي إزاء قدرة المقاومين على الوصول إلى عمق دولة الاحتلال.
وإذ باركت الفصائل الفلسطينية عملية الطعن الأخيرة، فقد عدّتها «ردّاً أوّلياً على حرب الاحتلال ضدّ المعتكفين في الأقصى ونوايا ذبح القرابين في باحاته»، محذّرةً من أن «القادم أسوأ على الاحتلال وجيشه ومستوطِنيه إذا استمرّوا في عنجهيّتهم ضدّ شعبنا وأقصانا»، كما جاء على لسان الناطق باسم حركة «حماس» في مدينة القدس، محمد حمادة. وسبق العمليةَ بساعات، هجوم نوعي آخر مساء الاثنين، أثار الرعب في صفوف المستوطنين، بعد إطلاق مقاومين النار على منازل في «كيبوتس» بالقرب من جلبوع. وبحسب ما نقلته صحيفة «هآرتس» عن المستوطِنة نوغا جيل، من سكّان «الكيبوتس»، فإن «إطلاق النار تمّ في حوالي الساعة الـ 6:30 مساءً، عندما كان الناس يستعدّون لتطهير البيوت قبل عطلة عيد الفصح العبري. كان العديد من العائلات والأطفال في الخارج. وتمّ إعلان حالة الطوارئ وأُمر الناس بدخول المنازل». وأضافت: «نحن نقيم على خطّ التماس تماماً، وما يفصلنا عن المناطق هو سياج من الأسلاك الشائكة». وأوضحت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، من جهتها، أمس، أن «المنازل التي تعرّضت لإطلاق النار، تبعد نحو 800 متر عن الجدار الفاصل الذي تمّ إطلاق النار منه»، بينما سُجّلت، عصر الثلاثاء، عملية إطلاق نار على مستوطَنة بيت عين قرب صوريف في الخليل. وعلى خلفية هذه التطوّرات، استدعى جيش الاحتلال 4 كتائب للانتشار على طول السياج الفاصل مع الضفة، في حين رُفعت حالة التأهّب شمال فلسطين المحتلة إلى الدرجة القصوى.
تُظهر إسرائيل ميلاً متزايداً إلى استغلال الأعياد اليهودية من أجل تمرير مخطّطاتها التهويدية في المسجد الأقصى


في هذا الوقت، شهدت مدينة نابلس وبلدات جبع وعنزا ويعبد في محافظة جنين، اشتباكات مسلّحة فجر الثلاثاء، أطلق خلالها المقاومون صليات كثيفة من الرصاص والعبوات المتفجّرة، محلّية الصنع، والزجاجات الحارقة. وأكدت مجموعات «عرين الأسود» و«سرايا القدس» تصدّي مقاتليها لقوات الاحتلال، ليبلغ عدد عمليات المقاومة في خلال أقلّ من 24 ساعة، خمساً، منها واقعتا إطلاق نار على جنود العدو، و3 حوادث تفجير عبوات ناسفة. وبالعودة إلى القدس، فقد تحوّلت المدينة إلى ثكنة عسكرية، مع نشر قوات الاحتلال الآلاف من عناصرها ووحداتها الخاصة وتشكيلات «حرس الحدود» في محيط المسجد الأقصى والبلدة القديمة، ونصْبها الحواجز العسكرية والمتاريس الحديدية هناك أيضاً، بهدف تأمين اقتحامات المستوطنين للمسجد خلال «عيد الفصح»، في وقت واصلت «جماعات الهيكل» تعبئة جمهورها تحت شعار «قربان الفصح» الذي تنوي ذبحه داخل الحرم، وهو ما استعدّ المقدسيّون للتصدّي له عبر تكثيف الرباط وشدّ الرحال إلى المسجد بدءاً من مساء الثلاثاء.
وتُظهر إسرائيل ميلاً متزايداً إلى استغلال الأعياد اليهودية من أجل تمرير مخطّطاتها التهويدية في المسجد الأقصى، عبر تشجيع المستوطِنين على فرض أمر واقع فيه من خلال الاقتحامات اليومية وممارسة الصلوات التلمودية، في مقابل إجراءات تقييد مشدَّدة يَجري فرضها على الفلسطينيين. ومع ذلك، فإن عوامل عدّة تؤشّر إلى أن قوّات الاحتلال لن تسمح بإدخال القرابين إلى الحرم، وخصوصاً في ظلّ احتشاد أعداد كبيرة من المصلّين الفلسطينيين، الذين لن يتردّدوا في الدخول في مواجهة دفاعاً عن الأقصى، وهو ما يهدّد باشتعال الوضع في فلسطين كلّها، وربّما في المنطقة، ولا سيما مع تأهّب المقاومة في ساحات المواجهة كافة. ويُنظر، فلسطينياً، إلى محاولة تدنيس المسجد بالقرابين على أنها تنطوي على خطورة كبيرة، كونها تعني الخطوة الأولى نحو إقامة «الهيكل» المزعوم، ولذا فهي لن تمرّ بسهولة، بل قد تؤدّي في حال تطوّرها إلى إشعال انتفاضة جديدة أو حتى اندلاع مواجهة عسكرية واسعة، لن تبقى ساحات لبنان وسوريا واليمن والعراق بمنأى عنها، بالنظر إلى تعهّد قوى المقاومة في تلك الساحات، سابقاً، بأن تكون جزءاً من معركة الدفاع عن الأقصى. وفي هذا الإطار، كانت مصادر فلسطينية مطّلعة قد أبلغت، «الأخبار»، بأنّ المقاومة بعثت برسائل تحذير إلى الوسطاء، مفادها أن الخطوات المنوي تنفيذها في الحرم القدسي تمثّل «تهديداً حقيقياً وتجاوزاً للخطوط الحمر، وتلاعباً بصاعق تفجير كبير في المنطقة، ولا يمكن السكوت عليها».
ويترافق التوتّر في الأراضي الفلسطينية، مع آخر مماثل على مستوى المنطقة، في ظلّ تكثيف العدو اعتداءاته على سوريا، وإيقاعه شهداء سوريين وإيرانيين، مع ما أثاره ذلك من تحسّب إسرائيلي لردّ إيراني، وخصوصاً عقب إعلان جيش الاحتلال إسقاط طائرة مسيَّرة قادمة من سوريا قبل أيام. وإذ تبدو الأراضي الفلسطينية المحتلّة الأكثر غلياناً، في انتظار حدث أمني أو فتيل اشتعال يدفع إلى معركة على غِرار «سيف القدس» أو ما هو أكبر منها، فإنّ سيناريو المواجهة متعدّدة الجبهات لا يزال الأكثر حضوراً في الدوائر الأمنية الإسرائيلية. وفي هذا الإطار، تحدّث رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، اللواء أهارون حليوا، الاثنين، في حفل تخريج دورة ضباط، بشكل مركّز عن «التهديدات الإيرانية»، قائلاً: «الكثيرون يريدون الشرّ لنا، وهم لا يتوقّفون عن ذلك حتى في هذه الأيام. إيران بفروعها الكثيرة تحاول إشعال المنطقة وإحداث حريق هائل. يجب أن يعلم الأعداء، البعيدون والقريبون، أننا مستيقظون ومصمّمون وأقوياء، ونتابع خططهم. ونعمل بلا كلل خلال النهار وبخاصة في الليل لدرء الأخطار».