«المُنقذ من جرائم الاحتلال»؛ بهذه الصورة يسعى حسين الشيخ لتصدّر المشهد الفلسطيني، وفق ما أنبأت به تصريحاته أوّل من أمس بعد قمّة العقبة الأحد الماضي، وقبْلها تسويق وسائل إعلام مقرَّبة منه، الشهر الفائت، لقدرته على التفاوض مع العدو و«تجنيب الفلسطينيين ويلاته». ويأتي ذلك في وقت يزداد التوجّس «الفتحاوي» الداخلي من رغبته في خلافة الرئيس محمود عباس، على رغم أن الفصائل الفلسطينية كافة تراه شخصاً غير مرغوب فيه، وصاحب تاريخ أسود نظراً لقيادته ملفّ «التنسيق الأمني» مع إسرائيل. وبرّر الشيخ، أخيراً، تَوجّهه ورفيقه رئيس جهاز المخابرات العامّة، ماجد فرج، إلى قمّة العقبة، بأنه كان يهدف إلى حماية الشعب الفلسطيني من جرائم حكومة الاحتلال وبطشها، وهي الأسطوانة المكرورة نفسها التي يحاول من خلالها الغمز من قناة المقاومة بوصفها السبب في هذه الويلات، وتصوير خيار المفاوضات و«التنسيق» باعتباره الحلّ الأمثل الذي يمكن أن يضمن ارتداع العدو.ولا تزال الفصائل متوجّسة من رغبة الشيخ الجامحة في خلافة عباس؛ إذ ترى غالبيتها أن الأوّل سيكون أكثر استعداداً للتنازل من الأخير أمام حكومة الاحتلال، وأنه مستعدّ لتقديم المزيد من القرابين كي يتمّ القبول به. ويعتقد المستوى القيادي الثاني في حركة «فتح» وأبناء الحركة التي يشغل الشيخ عضويّة لجنتها المركزية، أن «أبو تالا» سيدفع مكانتهم الشعبية إلى مزيد من الانحدار، وسيؤدّي إلى تَهشّمها نهائياً في ظلّ الرفض الشعبي لخيار المفاوضات و«التنسيق الأمني». كذلك، يرى بعض «الفتحاويين» أن الشيخ ليس الأحقّ في قيادة الحركة، وعلى رأس هؤلاء جبريل الرجوب ومحمود العالول، إضافة إلى تيّار مروان البرغوثي الذي يرى حسين بمنزلة المتآمر على زعيمه.
أمّا حركة «حماس» فتؤكّد مصادر فيها، لـ«الأخبار»، أنها هي الأخرى غير مطمئنّة إلى الشيخ وتوجّهاته ورغباته في القيادة بعد عباس، فيما لا تزال مقتنعة بأن دوره في «التنسيق الأمني» وعمله ضدّ المقاومة خلال الفترة الماضية يمثّلان عائقاً أمام أيّ حوار معه حالياً أو مستقبلاً، نافية بشكل قطعي أن تكون هناك مباحثات أو حوارات مع الرجل الذي زعم أخيراً أن هناك تفاوضاً مع «حماس» بخصوص قمّة العقبة. وكان حسام بدران، عضو المكتب السياسي للحركة، وصف تلك المزاعم بأنها «غير صحيحة البتّة، ولا أصل لها».
تتّفق «حماس» و«الجهاد» و«الشعبية»، ضمنياً، على أنها لن تمنح الشيخ أيّ موافقة أو شرعية ليكون بديلاً من عباس


من جهتها، ترى حركة «الجهاد الإسلامي» في الشيخ شخصية غير مرغوب فيها لخلافة عباس؛ إذ إن الحركة تضرّرت كثيراً من التوجّهات الأمنية للرجل خلال الفترة الماضية، بل وهاجمتْه في عدّة مرات بعد لقاءاته مع المسؤولين في دولة الاحتلال، وبخاصة رئيس الوزراء السابق، يائير لابيد، محذّرة على لسان داوود شهاب، المتحدّث باسمها، من خطورة استمرار السلطة في نهج بناء علاقات شراكة أمنية واقتصادية وسياسية مع العدو. وتخشى «الجهاد» من أن تدْفع تحرّكات الشيخ الأخيرة إلى حرب فلسطينية داخلية، كونها ستؤدّي إلى تعزيز الانقسام في الشارع الفلسطيني من خلال دفْع الأجهزة الأمنية إلى التصادم مع المقاومين في الضفة الغربية. وفي هذا الإطار، اعتبر أحمد المدلل، القيادي في الحركة، أن قمّة العقبة استهدفت توظيف الأجهزة الأمنية الفلسطينية بديلاً من الاحتلال وأجهزته الحربية في مواجهة المقاومة، محذراً من أن «هذا الموقف خطير ويتطلّب انتباهاً وتحذيراً للمسؤولين في السلطة من خطورة التعاطي مع القمّة ونتائجها التي تستهدف زرْع الفتنة بين الفلسطينيين».
ولا يختلف موقف «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» كثيراً عن موقفَي نظيرتَيها تجاه الشيخ؛ إذ تَعتبر الجبهة الرجل عرّاباً لـ«التنسيق الأمني» بين السلطة والاحتلال، وأنه يواصل الطريق الخاطئ الذي قاده وفشل فيه عباس منذ زمن. وكانت لهجة «الشعبية» شديدةً تجاه قمّة العقبة التي قاد الشيخ الفريق الفلسطيني فيها؛ فهي شدّدت، في بيان الأحد الماضي، على أن المسؤولية الوطنية تقتضي «إعلاء التناقض مع الاحتلال، باعتباره التناقض الرئيس»، مضيفةً أن «مواجهته تتطلّب تصعيد المقاومة بمختلف أشكالها، وعلى كلّ بقعةٍ من أرض فلسطين»، ومحذرةً من أن «أيّ انحرافٍ عن ذلك بترتيباتٍ أمنيّةٍ أو غيرها سيقود إلى تداعياتٍ خطيرةٍ على الوضع الداخلي الفلسطيني». وتعليقاً على ادّعاء الشيخ أن توجّهه إلى القمّة جاء بعد مشاورات مسبَقة مع فصائل «منظّمة التحرير»، أشارت الجبهة إلى أنها ليست عضواً في «اللجنة التنفيذية» للمنظمة، ولم تشارك في الاجتماعات التي أشار إليها الشيخ، مُجدّدة موقفَها بأن «الخيار البديل للمسار الكارثي والتدميري الذي تسير عليه السلطة، ولكلّ ما تَولّد عن مسار أوسلو والرهانات التي لا تزال قائمة عليه، هو القطعُ نهائياً معه ومع الالتزامات التي ترتّبت عليه».
وبالنتيجة، تتّفق «حماس» و«الجهاد» و«الشعبية»، ضمنياً، على أنها لن تمنح الشيخ أيّ موافقة أو شرعية ليكون بديلاً من عباس من دون تقديم الاستحقاقات الوطنية، المتمثّلة في إصلاح «منظّمة التحرير»، وإجراء انتخابات فلسطينية شاملة.